د.شادي صلاح محمود
أكاديمي سوري وناقد سياسي
مَثَل يطرق أسماعنا كثيرًا في مجتمعنا، ويوظّفه كثيرون توظيفًا خاطئًا؛ إذ يريدون به تشبيه الناقد لهم المعارض ذي الصوت العالي بالكلب الذي ينبح والقافلة تسير! ويوجّهون بذلك رسالة إلى الناقدين بأننا لا نعبأ بنقدكم، ولا نبالي بصوتكم، ولا نلتفت إليكم، فانقدوا أي انبحوا، وإذا أزعجنا نقدكم، فقد نقف لا للاستماع إليكم، بل لإخفاء صوتكم إلى الأبد!
وهذا تصوّر قاصر لمعنى المثل العربي؛ إذ يراد به ألا يهتم الإنسان بالسبّ والشتم الموجّه له من حاسد أو حاقد، بل يمضي في سبيله كأن لم يسمع شيئًا:
ولقد أمرّ على اللئيم يسبني
فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
فالناجح سيواجه حاسدين وحاقدين كما أن القافلة التي تتحرك ستواجه كلابًا نابحة.
فهناك فرق بين الناقد والحاقد، بين الناصح والنابح، وإن استخدام المثل في غير ما وُضع له تشويه للمثل العربي.
وللعلم، إن سلّمنا بأن توظيف المثل مناسب لحال بعضهم، فالكلاب لا تنبح عبثًا؛ فالنبح المتواصل يدل على شعور الكلب بالملل أو الوحدة أو القلق، والنبح القصير المتكرر يدل على شعور الكلب بالانتباه أو الاستعداد للتحذير أو الخطر، والنبح العالي يدل على شعور الكلب بالخوف أو الخطر، والنبح المنخفض يدل على شعور الكلب بالعدوانية أو التهديد..
فهلّا يا من تسير بك القافلة تنزل وتتنازل قليلًا فتحاول معرفة سبب نباحه، فقد يكون تحذيرًا لك وتنبيهًا من خطر أمامك على الطريق، فلا تتجاهله، وقد يكون لإحساسه بالخطر والخوف منك، فطمئنه!
أما أن تمضي في سيرك متجاهلًا النباح، أو تنزل من القافلة لتسكت الكلب بالسلاح، فلا أرى ذلك سلوكًا نافعًا وحكيمًا.