أ.طارق سليمان
الجرة الكنوبية هي خابية الموتى عند القدماء.. وهي عبارة عن أوانٍ استخدمها المصريون القدماء عند تحنيطهم أجساد الموتي.. لتخزين وحفظ الأحشاء الداخلية للمومياوات لكي تكون موجودة عند البعث في الحياة الآخرة بعد الموت ..
وكانت تصنع عادة من الحجر الجيري المصقول أو من الفخار وتوضع بجوار الميت في قبره مع الطعام والملابس التي قد يحتاجها الميت في الحياة الآخرة ..
لم تكن الأحشاء كلها تحفظ في إناء وواحد.. بل كان هناك 4 أوانٍ كنوبية، كل منها لحفظ عضو معين: المعدة، الأمعاء، الرئتين، الكبد.. مع وضع مواد حافظة في كل جرة تمنع تحلل هذه الأعضاء.. ولم يكن هناك وعاء للقلب حيث اعتقد المصريون القدماء أنه مقر الروح ولذلك كانوا يتركونه داخل جسد المومياوات ..
وكانت توضع تلك الأعضاء الداخلية تحت حماية أبناء حورس الأربعة التي تأخذ أغطية الأواني شكل رؤوسهم، وهم: «إمستي» ذو الرأس الآدمية الذي يتولى حماية الكبد، و«حابي» برأس البابون المعني بالرئتين، و«دواموت» للمعدة، و«كبسنوف» للأمعاء.
فكر القدماء في الخلود وأن الحياة أثمن من أن تنتهي بالموت فقط.. لذلك فكروا في استئناف الحياة بعد الممات.. وأن الحياة بعد الممات مرتبطة بالحياة الدنيا والعمل الدنيوي الحسن – الخير – والأمل في أن يكون العمل الطيب في الدنيا هو السبيل للخلود في الحياة الآخرة الأبدية..
اعتقد القدماء أيضا أن الحياة بعد الممات شرف وليس من حق الجميع الحصول على الحياة الأبدية في العالم السفلي.. ولهذا السبب كان على كل ميت أن يتوقف عند ما يسمى بقاعة ماعت أو وقفة ماعت حيث تجري محاكمته..
هناك يقف في وسط القاعة ليتم محاسبته عن كل فعل فعله في حياته وكل كلمة صدرت منه تجاه أخية الإنسان.. أو قد يكون في يوم ما لوث مياه النيل.. أو لم يحسن ذبح حيوانه.. حتى إذا نجح في اختبار الأسئلة يقوم أنوبيس بوزن قلب المتوفى على الميزان مقابل ريشة..
ولو كان القلب أخف من الريشة أمكن للميت أن ينتقل إلى العالم السفلي ومنه إلى عالم الخلود حيث الحياة الأبدية..
حتى في ذلك الوقت كانوا يعتقدون في صعوبة الرحلة الأخروية.. التي تستوجب العمل والاجتهاد قبل الموت.. لذلك ألف المصريون جميع أنواع الكتب والأدلة ذات التوجيهات الدقيقة وحتى الخرائط حول كيفية الوصول إلى مكان الحياة الأبدية ..
هكذا هو الإنسان في كل الأزمان.. يسعى للكمال بلا نقصان.. ولا يكتفي بحياة واحدة مهما كان.. ويسعى لمضاعفة عمرة وأيامه باحثًا عن الخلود والأبدية..