أ.رؤوف جنيدي
ذات مرة اصطحبت حفيدتي إلى المكتبة العامة في مدينتي وهي مكانٌ هادئ آمنٌ تكثر فيه المساحات الخضراء. تطمئن فيه على الأطفال. تركتها تلعب مع مجموعة أطفال في مثل سِنِّها وجلست على مقربةٍ منها أراقبها وأتابعها…
كانت تلقي عليّ نظرة بين الحين والآخر لتطمئن بوجودي ثم تعود للعب. وبعد فترة انسحب الظل عني فغيَّرت مكاني وأنا أتابعها. ثم نظرَت بعدها إلى مكاني فلم تجدني فسارعْت بالنداء عليها فاطمأنت وهدأت. لا أخفيكم أنها كانت لحظة عابرة من الزمن لكنها عاشتها دهراً. زاغ فيها بصرُها وتحجرت عيناها واضطربت ملامُحها لولا أن قطعت عليها خط حيرتها بندائي عليها … فهدأت وعادت إلى اللعب
وهنا سرحت بفكري وتأملت وتساءلت: هل قدَّرنا براءة الطفولة حق قدرها. هل نحن أهلٌ لهذه الثقة التي تصل إلى حد أن الطفل قد يُسلِم لك روحَه، وحياتَه، وأمنَه، وأمانَه. هل فكر الطفل وأنت تصطحبه ممسكاً بكفه الصغير إلى مكانٍ ما أن ينشغل بالتعرف على معالم الطريق أثناء الذهاب؟ بالتأكيد لا. لأنه على يقين أنك ستعيده إلى حيث جئت به؟ لأنها البراءة التي أسلمت لك ورأت في يدك قِبلتها وهَديِها وهُداها
ألم تتأمل مرة يا أخي أنك إذا رفعت ملعقةً أمام الطفل فتح فمه وتناولها دون أن يسألك ماذا بها!! إنها البراءة … إذا كوِّرت بين أصابعك كرةً صغيرة من طعامٍ ما وقدمتها له تناولها دون تفكير!! إنها البراءة … لو أنك رفعت إلى فمه كوباً أياً كان ما في هذا الكوب. شَرِب وهو ينظر في عينيك دون حتى أن يختبر طعمه أو درجة حرارته!! إنها البراءة.. فكم هي عظيمة عند الله تلك المسئولية أمام طفولةٍ بريئة لا تعرف في الكبار إلا حسن النوايا … فصونوها
وهنا تحضرني طُرفةٌ عن براءة الطفولة تقول:
أفلت طفلٌ من يد أمِّه في منطقةٍ مزدحمةٍ فتاه عنها وتاهت عنه. وأثناء سيره للبحث عنها وجد شرطياً فتوجه إليه وسأله بعد أن ضبط وضعية وجهِه بما يسمح للشرطي أن يدقق النظر فيه وقال: ألم تمر بك أمٌ ليس في يدها طفلٌ يشبهني؟
