أ. روضة تشتش

يأتي ذكر بعض النباتات والفواكه في القرآن الكريم ضمن سياق ليس فقط تعبديًا وروحيًا، بل يحمل في طياته إشارات علمية وصحية تدعو إلى التأمل والتفكر. ومن بين هذه الثمار التي خُصّت بالذكر في مواضع متعددة، العنب، كما في قوله تعالى: ﴿وَعِنَبًا وَقَضْبًا﴾ [عبس: 28]. وهذا الاختيار الإلهي لم يكن عبثًا، بل يُشير إلى القيمة الغذائية العالية لهذه الثمرة وأهميتها في بناء نمط حياة صحي ومتوازن.

يُعد العنب من الفواكه الغنية بالماء والسكريات الطبيعية سهلة الامتصاص مثل الجلوكوز والفركتوز، كما يحتوي على مجموعة من الفيتامينات الهامة مثل فيتامين C وK، بالإضافة إلى مجموعة فيتامينات B ، إلى جانب عناصر معدنية أساسية كالبوتاسيوم، والحديد، والمنغنيز. علاوة على ذلك، يتميز العنب بتركيز عالٍ من مضادات الأكسدة، خاصة مركبات الفينولات والريسفيراترول، التي تُسهم في الوقاية من الأمراض المزمنة كأمراض القلب والسرطان، وتعمل كمضادات للالتهاب والشيخوخة الخلوية.

وقد دعمت الأبحاث العلمية الحديثة هذه الفوائد، إذ أظهرت دراسة أجرتها جامعة Western New England  ونشرت في مجلة Scientific Reports أن تناول العنب ثلاث مرات يوميًا لمدة أسبوعين ساهم في إحداث تغييرات إيجابية في بكتيريا الأمعاء، كما انعكس ذلك على صحة القلب والدماغ والجهاز الهضمي. وفي مراجعة علمية نُشرت عام 2016، تم التأكيد على أن البوليفينولات والريسفيراترول في العنب تساعد في خفض مستويات السكر في الدم، وضغط الدم، والدهون، إلى جانب دعم وظائف الكبد والأوعية الدموية. كما أظهرت دراسة منشورة في  Journal of Nutrition عام 2012 أن البوليفينولات تُحسن من مرونة الأوعية الدموية وتُسهم في خفض ضغط الدم، لا سيما لدى من يعانون من متلازمة التمثيل الغذائي. وفي مراجعة علمية أقدم نُشرت عام 2010، تبيّن أن العنب يُبطئ أكسدة الكوليسترول الضار (LDL)، ويُنظّم ضغط الدم، ويُقلل الالتهاب، مما يُعزز وظائف بطانة الأوعية الدموية.

وتتباين الفوائد الغذائية للعنب تبعًا للونه؛ فالعنب الأحمر يحتوي على نسبة مرتفعة من الريسفيراترول، وهو مركب فعال في حماية القلب والشرايين ومكافحة السرطان. أما العنب الأخضر، فيمتاز بسهولة هضمه وبدوره في الترطيب وتوازن الكهارل بفضل احتوائه على كميات معتدلة من الفيتامينات والمعادن. بينما يتميز العنب الأسود بغناه بمركبات الأنثوسيانين، وهي صبغات نباتية تعزز صحة الأوعية الدموية وتقلل من تأثير الجذور الحرة، مما يقلل من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة المرتبطة بالإجهاد التأكسدي.

لذا كان تناول العنب بانتظام وبكميات معتدلة قد يسهم في دعم صحة الجهاز الهضمي والوقاية من الإمساك، وتعزيز المناعة، وحماية صحة اللثة والأسنان، والحفاظ على كثافة العظام بفضل وجود الكالسيوم والمغنيسيوم، كما يساهم في تقليل لزوجة الدم مما يساعد في تقليل خطر التجلطات وأمراض القلب والأوعية، بالإضافة إلى تحسين الوظائف المعرفية وحماية الدماغ من التدهور العصبي بفضل مضادات الأكسدة التي تحمي الخلايا العصبية من التلف.

ورغم كل هذه الفوائد، إلا أن العنب يحتوي على نسبة مرتفعة من السكريات الطبيعية، مما يستوجب الحذر عند تناوله من قبل مرضى السكري. وتوصي الدراسات التغذوية الحديثة بعدم تجاوز كمية 150–200 غرام يوميًا للفرد السليم، بينما يُنصح مرضى السكري بالاكتفاء بـ 75–100 غرام تقريبًا مع مراقبة مستويات الجلوكوز في الدم. كما يُفضّل تناوله كوجبة خفيفة بين الوجبات، وليس بديلاً عن وجبة رئيسة.

وتجدر الإشارة إلى أن العنب ليس مجرد غذاء، بل دواء يستطب به، وأن الآيات القرآنية التي جاءت على ذكره تتلاقى مع معطيات العلم الحديث، مما يعكس انسجامًا بين الوحي الإلهي والنهج العلمي…

وبالوعي الغذائي والاعتدال في الاستهلاك نستطيع أن نوظف هذه الفاكهة في تحسين الصحة الجسدية والعقلية، وهو ما يدعو إليه الإسلام ضمن رؤية متكاملة للإنسان: روحًا، وعقلاً، وجسدًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *