د.شادي صلاح محمود (ناقد سياسي وأكاديمي سوري)

يحتاج المجتمع إلى إدارة واعية ورشيدة قادرة على استثمار موارده وكفاءاته، والنهوض بمؤسساته وأبنائه، لكن أحيانًا نجد أن بعض القادة أو المسؤولين يتصرفون بأسلوب يشبه سلوك “المراهق” الذي يفتقر إلى النضج، وهو ما يُعرف بالمراهقة الإدارية التي هي حالة من عدم النضج لدى من يتولون مناصب إدارية أو قيادية، تتجلى في تفكيرهم غير المنطقي، وممارستهم غير المنضبطة، وأدائهم غير المحسوب، وقرارهم غير المدروس، وإن المجتمع الذي يديره مراهقون عُرضة للدمار، والمجتمع الذي يديره راشدون مآله الاستقرار.

ومن مظاهر هذه المراهقة:

1. عدم الاستماع إلى النصيحة الناضجة من ذوي الخبرة والتجارب، وذلك لأنها تخالف هوى المراهق وما تشتهيه نفسه.

2. اتخاذ قرارات ارتجالية يراعى فيها المصلحة الشخصية لا العامة.

3. الحكم على الآخرين بمعيار الولاء والعاطفة، لا الكفاءة والعلمية.

4. الإقصاء والتهميش للكفاءات بدلًا من إشراكها.

5. تقريب المداهن الفاسد، وإقصاء المصلح القائد.

6. اعتبار كل نقد تهديدًا، ووصف الناقد بالحاقد والحاسد والصائد.

7. الاهتمام بالمظاهر على حساب الجوهر، مثل التركيز على المؤتمرات والشعارات والصور واللقاءات الإعلامية أكثر من الإنجازات.

8. ضعف تحمل المسؤولية وإلقاء اللوم على الآخرين عند وقوع الأخطاء.

9. خَرْق القاعدة، وبعج القانون.

10. ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين.

خطر المراهقة الإدارية:

والمراهقة الإدارية ليست مجرد سلوك شخصي يقتصر ضرره على الشخص نفسه، بل هي خطر يهدد المجتمع كله. فهي تؤدي إلى:

  1. هدر الموارد بسبب القرارات غير الناضجة.
  2. خسارة الكفاءات بسبب الإقصاء.
  3. إضعاف المؤسسات وتحويلها إلى ساحات صراع  وتصفية حساب، بدل النهوض بها وجعلها أداة بناء.
  4. تفشي الفساد، فالمراهق الإداري يسعى إلى مصالحه الشخصية على حساب الصالح العام.
  5. فقدان ثقة الناس في القيادات والمسؤولين.
  6. إحباط المبدعين والأكفياء؛ إذ لا يجدون إدارة ناضجة تقدِّرهم وتستعين بهم.
  7. تهديد الاستقرار المجتمعي والسلم الأهلي؛ لأن الإدارة المراهقة تُعمّق الفجوة بين الناس ومؤسساتهم.

سبل علاج المراهقة الإدارية:

  1. التأهيل والتدريب المستمر للمسؤولين على القيادة الرشيدة.
  2. تشجيع ثقافة الحوار والشورى داخل المؤسسات التي تقضي على الانفرادية والاندفاع، وتؤدي إلى القرار الرشيد.
  3. الاعتماد على الكفاءات لا على الولاءات في اختيار القيادات.
  4. نظم رقابية ومحاسبية تقلل من فرص الانحراف الإداري.
  5. تعزيز قيم المسؤولية والأمانة بوصفها جزءًا من التربية الإدارية، وعلى رأس هذه القيم إسناد الأمر إلى أهله ولو كان بين المسؤول وبينه عداوة، امتثالًا لقوله تعالى: (وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ) [المائدة: 8]، أي: لا يمنعنكم كرهُكم لإنسان من أن تعطوه حقه، وتنزلوه منزلته التي له، وتسندوا إليه الأمر الذي هو أهله.
  6. على الدولة أن تحجر على كل إداري مسؤول يصرّ على معالجة أمور مؤسسة ما بأسلوب المراهقة؛ فهو مصدر خطر على استقرار المجتمع وسمعة الدولة، وإن أي سلطة لا تكبح جماح المراهقين وتتعامل معهم بالحجر، تكون ضحية حماقتهم، وإن سوريا اليوم الوليدة لا تحتمل تصرفات صبيانية، ولا سلوكيات عبثية، ولا مسؤولين مراهقين يقودهم الهوى وما تشتهيه النفس، لا الشرع وما يقتضيه الحقّ.

وأخيرًا:

إن مراهقة بعض المسؤولين كفيلة وحدها بتدمير المجتمع، وبدمار المجتمع دمار الدولة، فيا أيها الإداريون المراهقون، لا تجعلوا المجتمع يدفع ثمن مراهقتكم، ولا تكونوا معول هدم فتؤتى الدولة من قبلكم!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *