أ.طارق سليمان


في حيِّ اللبّان الشعبي وفي أوائل القرن العشرين سنة 1920 في مدينة الإسكندرية

تواترت الأخبار عن اختفاء نساءٍ من الأسواق واحدةً تلو الأخرى .. في البداية تعامل الجميع بخفة و تساهل مع هذا الأمر .. و لم يبدأ الربط بين الحالات إلا بعد التكرار .. و خاصة أن الاختفاء شمل منطقة سكنية واحدة .. وأن النساء المختفيات جمع بينهن عدم وجود زوج أو أسرة .. و أنهن كن من العاملات اللائي يكسبن أموالهن بأنفسهن ..

بدأت الشرطة تحقيقاتها الموسعة عن هذا الأمر.. مرات تضيق الدائرة ومرات تتسع بسبب النمط العشوائي في اختيار الضحايا.. وعندما تكررت أسماء ريا وسكينة في أكثر من حادثة اختفاء.. اتجهت الشبهات نحو الشقيقتين..


أتت الشقيقتان من صعيد مصر واستقرتا في الإسكندرية هربا من العوز والفقر.. ولأن مجالات الحياة والرزق أوسع في الإسكندرية ..
ولكن الفقر حيوان شره شرس يفترس الأرواح.. فلم تقنع الأختان بما تكسبانه من الخدمة في البيوت .. فاتجهت أفكارهم نحو العمل في التجارة الخفيفة مع النساء.. أقمشة وملابس و ماشابة ..
و من هنا بدأت أعين الأختين تتفتح على نساء يمتلكن بعض المال .. ومع الوقت ضاع الحد الفاصل بين ما هو لي وما هو للأخر.. وأن كل ما أشتهيه وأريده سآخذه حتى وإن لم يكن لي ..
حياة أسرية واجتماعية مشوهة.. و حياة في الشارع يحكمها المحتل .. و مع المحتل تأتي بعض السلوكيات الغريبة عن المجتمعات الأصلية .. مثل شرب المسكرات .. و التعاطي مع تجارة الأجساد ..

وبعد التحرّيات قامت الشرطة بمداهمة منزل الأختين وعُثر على جثثٍ مدفونة في بيتهما، وقيل إنهما ومعهما بعض الرجال قتَلوا أكثر من سبع عشرة امرأة طمعًا في الذهب.

وفي ديسمبر عام 1921، نُفِّذ حكم الإعدام في ريا وسكينة، ليكونا أول امرأتين يُنفَّذ فيهما حكم الإعدام في مصر.

تلك هي الحكاية التي عرفناها جميعًا على مدى أكثر من مئة عام، والتي صارت مادةً للأدب والمسرح والسينما والتلفزيون.

غير أنّه في سنة 2015، ظهر المؤلف أحمد عاشور ليكشف في كتابه أنّ هذه القصة قد تكون ملفَّقة.

إذ أكّد أنّ المستندات والتحقيقات الأصلية تُشير إلى أنّ الجثث التي وُجدت لم تكن لنساءٍ بائسات كما قيل، بل لجنودٍ إنجليز.

وأنّ ريا وسكينة كانتا تساعدان الفدائيين في مقاومة الاحتلال البريطاني، وأنّ التُّهَم وُجِّهت إليهما زورًا للتخلّص منهما.

والأخطر من ذلك أنّ وكيل النيابة الذي تولّى التحقيق رفض التوقيع على إدانتهما، مؤكّدًا أنّ الأدلة تثبت براءتهما.

لكن، وبسبب الضغوط البريطانية الكبيرة آنذاك، قدّم استقالته وانسحب من القضية، فتسلّمتها نيابة أخرى أصدرت حكم الإعدام.

والسؤال الباقي إلى الأبد:

لقد ماتت ريا وسكينة منذ زمنٍ بعيد… ودُفنت معهما أسرارٌ كثيرة، والله أعلم أين تكمن الحقيقة.

فما رأيك أنت؟

هل كانتا مجرمتين وسفاحتين؟

أم مناضلتين مظلومَتَين كتب التاريخ قصتهما على نحوٍ آخر؟

وتبقى الحقيقة أكبر الضحايا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *