أ.روضة تشتش

من أحد الفواكه التي ذُكرت في القرآن الكريم الرمان، فقد ورد ذكره في ثلاث آيات من سورتي الأنعام والرحمن، وأخبر سبحانه وتعالى أنه من فواكه الجنة فقال عز وجل: «فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ» (الرحمن: 68). هذه الثمرة المباركة لم يقتصر حضورها على النصوص الدينية، بل شغلت أيضًا اهتمام العلماء والباحثين قديمًا وحديثًا بما تحويه من أسرار غذائية ودوائية، إذ يُنظر إليها اليوم كأحد أهم الفواكه التي تجمع بين الطعم اللذيذ والقيمة العلاجية العالية، حتى وصفها بعض الباحثين بـ “فاكهة الدواء” و”إكسير الشباب الطبيعي“.

لاحتوائها على مجموعة غنية من المعادن مثل الحديد، الزنك، الفوسفور، النحاس، إضافة إلى الفيتامينات A وC وE ومجموعة B (B1, B2, B3)، وكذلك الألياف وحمض الفوليك والبكتين، أصبحت ثمرة الرمان غذاءً متكاملاً يجمع بين الوقاية والعلاج.

وتكمن فوائد العظيمة في دورها الهام في جسم الإنسان مثل الحديد يحمي من فقر الدم ويمد الخلايا بالأكسجين والطاقة، والزنك يعزز جهاز المناعة ويساعد على التئام الجروح ويحافظ على صحة البشرة والشعر، أما الفوسفور فيدعم العظام والأسنان ويشارك في وظائف الدماغ والعضلات، بينما يساهم النحاس في تكوين كريات الدم الحمراء ودعم الجهاز العصبي. وفي جانب الفيتامينات، يوفر فيتامين A حماية للبصر والمناعة، وفيتامين C يقوي المناعة ويساعد على امتصاص الحديد ويحارب الجذور الحرة، وفيتامين E يحمي الخلايا من الأكسدة ويؤخر الشيخوخة، بينما تدعم مجموعة فيتامينات B الجهاز العصبي وتحول الغذاء إلى طاقة وتحافظ على صحة الجلد والشعر. وليس فقط حبّات الرمان هي التي تحمل الفائدة، بل إن بذوره وزيوتها غنية بالأحماض الدهنية غير المشبعة والمركبات المضادة للأكسدة التي تدعم صحة القلب وتساعد في تقليل الدهون بالدم، بينما قشوره تُعد مصدرًا مهمًا لمضادات الأكسدة وتُستخدم في تحسين صحة الجهاز الهضمي وعلاج مشكلات مثل القرحة والإسهال والطفيليات، كما تُجفف وتُطحن لتُستعمل كمنكّه في بعض الأطعمة أو في تحضير المربى. أما أوراقه فيمكن غليها أو تجفيفها وشربها كشاي يدعم المناعة ويُضاف أحيانًا للسلطات كعشبة غنية بالعناصر الحيوية.

هذه الفوائد لم تقتصر على الملاحظات العامة، بل أثبتتها الأبحاث العلمية؛ فقد نشرت مجلة

Frontiers in Nutrition (2025) 

دراسة بعنوان

Phytochemicals and pharmacology of pomegranate

الكيميائي للرمان، وأوضحت أن مركبات  استعرضت بالتفصيل التركيب

Punicalagin وEllagic acid

تمثل خط الدفاع الأول كمضادات أكسدة طبيعية قوية، حيث تخفّض الإجهاد التأكسدي وتحمي بطانة الأوعية الدموية من التلف، وتقلل من مؤشرات الالتهاب المزمن، وهو ما ينعكس على الوقاية من تصلب الشرايين وخفض احتمالية الإصابة بالسكري من النوع الثاني. الدراسة بيّنت كذلك أن هذه المركبات تعزز من نشاط الميتوكوندريا داخل الخلايا، ما يحسّن إنتاج الطاقة ويبطئ مظاهر الشيخوخة الخلوية..

    Antioxidants – MDPI (2023) أما مجلة

فقد ظهرت مراجعة بعنوان

An Overview of the Health Benefits, Extraction Methods and Functional Food Applications of Pomegranate،

تناولت فوائد الرمان من زاويتين: الأولى تأثيره الطبي المباشر مثل تحسين صحة القلب والكبد وتقليل خطر الأورام السرطانية، والثانية تطبيقاته العملية في الصناعات الغذائية. وأكدت المراجعة أن دمج مستخلص الرمان في منتجات مثل العصائر، والمكملات الغذائية، والزبادي المدعم، أصبح شائعًا نظرًا لغناه بالبوليفينولات والتانينات، مع عرض تقنيات حديثة لاستخلاص هذه المركبات مع الحفاظ على فعاليتها الحيوية.

 نُشرت مراجعة علمية بعنوان  NIH – PMC (2024) وفي

Pomegranate seeds: a comprehensive review

وفي ركزت على بذور الرمان وزيوتها. وأثبتت أنها ليست مجرد بقايا غذائية، بل مصدر غني بالأحماض الدهنية غير المشبعة مثل حمض اللينوليك، إضافة إلى الفلافونويدات التي تخفض الدهون الثلاثية في الدم وتزيد من حساسية الإنسولين. الدراسة أشارت أيضًا إلى أن مستخلص بذور الرمان أظهر تأثيرًا مثبطًا لنمو خلايا سرطانية في المختبر مثل خلايا سرطان القولون والثدي، مع تحفيز عملية الموت المبرمج للخلايا (Apoptosis).

بينما أظهر بحث في

ScienceDirect (2021)  

Evidence for health properties of pomegranate juices and extracts

بعنوان أن شرب عصير الرمان بانتظام يرفع بشكل ملموس من قدرة البلازما الدموية على مقاومة الأكسدة، ويساعد على خفض ضغط الدم الانقباضي بمعدل يصل إلى 5 ملم زئبق لدى بعض المشاركين، كما رفع من مستوى الكوليسترول النافع HDL. وأشار الباحثون إلى أن هذه التأثيرات ترتبط مباشرة بمحتوى العصير من الأنثوسيانينات التي تمنح الرمان لونه الأحمر الداكن.

Journal of Nutrition & Food Sciences (2014) كما أوردت مراجعة كلاسيكية في

Potent health effects of pomegranate  بعنوان

يتفوق على بعض العقاقير التقليدية، أن للرمان نشاطًا مضادًا للالتهابات يعادل أو

 CPRالتفاعلي Cوأوضحت أن الاستهلاك المنتظم له يؤدي إلى خفض بروتين                           

وهو أحد مؤشرات الالتهاب الخطيرة المرتبطة بأمراض القلب. وخلص الباحثون إلى أن الرمان يُعد غذاءً وقائيًا طويل الأمد بفضل تأثيره في خفض ضغط الدم، تنظيم الكوليسترول، التحكم في سكر الدم، وحماية. الخلايا من التلف الناتج عن الجذور الحرة.

وهكذا يبقى الرمان ثمرة مباركة تحمل بين طياتها سرّ الغذاء والدواء، من الحبوب الحمراء اللؤلؤية إلى البذور والزيوت والقشور والأوراق، كل جزء فيها ينطق بفوائد لا تُحصى. ومع ذكره في القرآن الكريم ودعمه بالأبحاث العلمية الحديثة، يتجلى الرمان كرمز للصحة والوقاية والتجدد. وللاستفادة المثلى، يُنصح باستهلاك كوب إلى كوبين من عصيره أو ما يعادلها من الحبوب الطازجة يوميًا، ويفضَّل تناوله في النهار ليستفيد الجسم من طاقته، مع مراعاة استشارة الطبيب في حال وجود أمراض مزمنة أو أدوية قد تتعارض معه. إن الرمان بحق ليس مجرد فاكهة، بل هبة إلهية تجمع بين الطعم والمتعة والدواء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *