أ.رنا جابي

نازك الملائكة شاعرة عراقية مرهفة الحس، كريمة الخلق، قليلة الكلام كثيرة التأمل، تكره الثرثرة وتأنف من الضجيج، مقلة في علاقاتها الاجتماعية، تنتقي من الناس صفوتهم ونخبهم. كانت تعزف على آلة العود وتمتلك صوتًا شجيًّا وقدرة فريدة على أداء الألحان، وتعشق الطرب الأصيل والموسيقى الكلاسيكية، حتى غدت السمفونيات جزءًا من عالمها الهادئ المليء بالخيال والتأمل.

لم تكن نازك تهتم بالطعام ولا بأعمال البيت، إذ كان شغفها الأكبر بالفكر والفن والسفر. وبرغم ترحالها بين البلدان، وجدت في شمال العراق أجمل بقعة في العالم، فبقيت جذورها مغروسة في تراب الوطن الذي غذّى شعرها بالانتماء والحنين.

وُلدت نازك الملائكة في بغداد عام 1923، وتخرجت في دار المعلمين العالية عام 1944، ثم في معهد الفنون الجميلة – فرع العود – عام 1949. تابعت بعد ذلك دراستها في اللغة اللاتينية بجامعة برنستون في الولايات المتحدة الأمريكية، ودرست اللغتين الفرنسية والإنكليزية حتى أتقنت الأخيرة، فترجمت عددًا من الأعمال الأدبية العالمية. وفي عام 1959 عادت إلى بغداد لتنصرف إلى الأدب والنقد، ثم التحقت بالبعثة العراقية إلى جامعة ويسكونسن لدراسة الأدب المقارن، مما وسّع آفاقها الثقافية وأكسبها اطلاعًا عميقًا على الأدب العالمي؛ فلم تكتفِ بالأدب الإنكليزي والفرنسي، بل قرأت في الآداب الألمانية والإيطالية، والروسية والصينية والهندية.

عملت نازك الملائكة بالتدريس في كلية التربية بجامعة بغداد عام 1957، ثم غادرت إلى بيروت بين عامي 1959 و1960 حيث نشرت نتاجها الشعري والنقدي، قبل أن تعود إلى العراق لتدرّس اللغة العربية وآدابها في جامعة البصرة.

ظلت نازك عاشقة للحياة رغم آلام المرض في سنواتها الأخيرة، وهي ترقد عليلة في القاهرة، متعلقةً بالأمل والجمال والفكر حتى آخر لحظة من عمرها.

تُعد نازك الملائكة من أبرز وجوه الشعر العربي الحديث، ورائدة من روّاد التجديد الشعري، رغم الجدل القائم حول مسألة السبق بينها وبين بدر شاكر السيّاب في ريادة الشعر الحر. لكنها أكدت في كتابها «قضايا الشعر المعاصر» أنّ قصيدتها «الكوليرا»، التي كتبتها عام 1947، كانت أول قصيدة حرة الوزن في الشعر العربي الحديث، في حين نشر السيّاب ديوانه «أزهار ذابلة» في كانون الأول من العام نفسه.

خلّفت نازك إرثًا شعريًا ونقديًا زاخرًا بالعمق والتجديد، من أبرز دواوينها:
عاشقة الليل 1947 – شظايا ورماد 1949- قرار الموجة 1957 – شجرة القمر 1968 – مأساة الحياة وأغنية الإنسان “ملحمة شعرية”1970 – يغير ألوانه البحر 1977 – وللصلاة والثورة 1978

وفي النقد، قدّمت مؤلفات مهمة أسهمت في تشكيل الوعي الأدبي الحديث، منها:

وفي النقد: قضايا الشعر المعاصر 1962 – الصومعة والشرفة الحمراء 1965 – سيكولوجية الشعر 1993.

رحلت نازك الملائكة، لكن صوتها الشعري ظلّ يتردّد في ذاكرة الأدب العربي، حاملاً نغمة العود وحلم التجديد، شاهدةً على أن الشعر حياةٌ لا تموت، وأن الكلمة حين تصدر عن قلبٍ صادق، تبقى خالدةً عبر الزمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *