أ.رنا جابي
قدمت الدكتورة سناء البياتي أستاذ اللسانيات في نظريتها “الصفر اللغوي” رؤية جديدة لفهم اللغة العربية، وخاصة النص القرآني، من خلال نقدها للمناهج النحوية التقليدية وتأكيدها على أهمية السياق والمعنى اللغوي في قراءة النصوص. واكدت البياتي على أن اللغة ليست مجرد تفاعلات نحوية وأصوات منفصلة، بل هي نظام معقد يعتمد على السياق الإدراكي في الدماغ البشري.
1-نقد النحو التقليدي
تنتقد البياتي بشدة “نظرية العامل” التي هيمنت على النحو العربي التقليدي. هذه النظرية تركز على الإعراب (الرفع، النصب، الجر) كأداة لفهم النصوص القرآنية، مما يؤدي إلى “تجزئة” الكلمات وإفقادها دلالاتها الحقيقية. كما ترى أن هذا المنهج قد أعاق العقل العربي عن فهم المعنى الكامل للنصوص القرآنية، حيث اقتصرت القراءة على القواعد النحوية دون اعتبار للمعنى العام أو السياق.
الاقتباسات:
“النحو التقليدي جعل محور القاعدة العلامة الإعرابية… لم يقدم شيئاً ذا قيمة لفهم إعجاز القرآن.”
“العقل لا يستنبط المعنى الحقيقي الذي يجب استنباطه”
2-نظرية الصفر اللغوي
تستند نظرية الصفر اللغوي إلى “نظرية النظم” لعبد القاهر الجرجاني، التي تُظهر إعجاز القرآن في تناغمه اللغوي.
وتُضيف البياتي أن اللغة ليست “عشوائية”، بل هي نظام مُعقد يتم تشكيله في الدماغ البشري. كما أن اللغة تعتمد على السياق الكلي والفكرة العامة قبل تقسيمها إلى عناصر صغيرة مثل الأفعال والأزمنة.
الاقتباسات:
“اللغة ليست عشوائية إطلاقاً، بل هي نظام في دماغ الإنسان ينتج ويجمع الألفاظ.”
“اللغة ليست قضية اصطلاحية، بل هناك نظام عقلي يركب هذه اللغة.”
3-مفهوم “الصفر اللغوي” ومراحله الإدراكية
تصف البياتي “الصفر اللغوي” كمفهوم مشابه للصفر الرياضي، حيث يمثل المرحلة التي تقع بين الفكر الأولي للإنسان والكلام الذي يُعبَّر عنه. حيث تنتقل اللغة عبر ثلاث مراحل في الدماغ.
تحديد المعنى العام للفكرة: مثل الاستفهام أو النفي أو الشرط.
ربط المدلولات: حيث يقوم الدماغ بربط المعاني نحويًا.
اختيار الألفاظ المناسبة: اختيار الكلمات التي تعبر عن المدلولات الفكرية.
هذه المراحل تُطابق ما في اللسانيات الإدراكية ونظرية الجشتالت التي تقول إن الإنسان يدرك الأمور أولًا ككل ثم ينفصل إلى التفاصيل.
الاقتباسات:
“اللغة في دماغ الإنسان ليست منطقة واحدة، بل تمر بثلاث مراحل لإنتاج الجمل.”
“إدراك الإنسان يكون من المجمل إلى المفصل، كما يحدث في تركيب الجمل.”
4-الدلالات الصوتية والتنغيم في القرآن
تؤكد البياتي أن الألفاظ في اللغة العربية، وخاصة في القرآن الكريم، لا تحمل فقط معانٍ حرفية، بل تُحاكي المعاني عبر الصوت والتنغيم. والكلمات في القرآن لها “تنغيم” خاص يساعد على إيصال المعنى بشكل قوي وأثري، وهذا يختلف عن التجويد البشري الذي قد يضيف تأثيرًا بشريًا على النص القرآني.
أمثلة للدلالات الصوتية:
يصطرخون: توحي بالصراخ القوي.
زحزح: دل على الحركة الاحتكاكية المرتبطة بالتوبة.
القارعة: يُسمع فيها صوت قرع يشبه الرعب من الحساب.
تكرار الصوت: مثل تكرار السين في سورة “الناس”، يوحي بتكرار الوسوسة.
5-شمولية السياق ودلالات الأفعال:
ترفض البياتي النهج التجزيئي في دراسة الأفعال، حيث أُخرجت الأفعال من سياقاتها لتُربَط بالزمن فقط. تشير إلى أن ربط الأفعال بالزمن يحد من قدرتها على نقل الصورة الكاملة، حيث يجب دراسة الأفعال في سياقاتها الكلية لمعرفة دلالاتها الحقيقية.
أمثلة قرآنية على السياق الشمولي:
فخرج منها يترقب: فعل “يترقب” يُظهر الخوف والتوتر.
فجاءته إحداهما تمشي على استحياء: الفعل “تمشي” لا يُحدد الزمن، بل يوحي بحركة موقوفة.
6-التحديات والتطلعات
تُشير البياتي إلى ضرورة تحديث مناهج اللغة العربية، حيث إن المنهج التقليدي أثبت فشله في جذب الطلاب نحو فهم قواعد اللغة بشكل عميق. وتدعو إلى تبني المناهج التي تفتح الأفق لفهم أعمق للغة القرآنية، بعيدًا عن الطرق التقليدية التي تحد من الإدراك المعرفي.
الاقتباسات:
“لم أجد طالبًا يحب قواعد اللغة العربية أو يعشقها”
“المعرفة تراكمية، ونحن بحاجة لتحديث المناهج لتناسب العصر الحالي”
المصطلحات الرئيسة:
نظرية الصفر اللغوي: رحلة إدراكية في دماغ الإنسان قبل التعبير عن الفكرة بالكلام.
نظرية العامل: نظرية نحوية تركز على علامات الإعراب فقط.
نظرية النظم (عبد القاهر الجرجاني): نظرية النظم البلاغية التي تؤكد إعجاز القرآن من خلال تآلف كلماته.
التنغيم: العنصر الصوتي في القرآن الذي يضيف دلالة عميقة للنص.
وأخيرًا تسعى نظرية الصفر اللغوي إلى تقديم طريقة جديدة لفهم اللغة، بما فيها القرآن الكريم، من خلال التركيز على السياق والمعنى الكلي، بعيدًا عن المنهج التجزيئي الذي يُعتمد في النحو التقليدي. كما تدعو البياتي إلى إعادة النظر في كيفية تدريس اللغة العربية لتتماشى مع الفهم الإدراكي العصري.