أ.رنا جابي
كم سمعنا عبارة “المدرسة كتاب” وكم بنى الكتاب المدرسي شخصياتنا وكم زرع أفكارًا في وجداننا ما تزال تظهر في سلوكنا اليومي على المستوى الشخصي والمهني وكم حفرت حكاياته في ذاكرتنا منارات كوّنت موروثنا الثقافي، والأدبي، وسلوكنا الأسري، والاجتماعي..
ولكن هل الكتاب المدرسي ما زال كافيًا ليبني شخصية الطالب في القرن 21 كما كان سابقا وهل حافظ على مكانته التي احتلها في القرن الماضي؟
في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم وقطاع التعليم بشكل خاص تتجدد الأسئلة حول أهمية الكتاب المدرسي ومكانته في المؤسسات التربوية الحديثة وهل ما زال يشكل ركيزة أساسية في العملية التعليمية؟ أم علينا إعادة النظر في بنيته ووظيفته بما يتماشى مع لغة العصر؟
لقد اختلفت آراء التربويين حول هذا الموضوع فمنهم من يرى أن الكتاب المدرسي أداة تعليمية أساسية تحتل مساحة كبيرة على خريطة المصادر، بل ويؤمنون بأنه المصدر الوحيد للمعلم والطالب ولا يمكن الاستغناء عنه… والبعض الآخر يرى أن الكتاب أداة تقليدية تغفل مهارات التفكير وتعتمد على التلقين والحفظ ولا تحاكي دماغ المتعلم…
هذا التباين في الآراء جاء في ظل غياب إرادة سياسية وتربوية حقيقية تدعم التغيير الجوهري ما جعل الإصلاح جزئيا وغير فعال رغم كل المحاولات الخجولة التي تنادي بالتحديث..
وما زال هذا الموضوع يحتل حيزا كبيرا من الجدل في الأوساط التربوية التي أصدرت الأحكام على الكتاب بناء على مستوى المحتوى والمهارات وأسلوب الطرح وملاءمته للشريحة المستهدفة والمستقبل المنتظر…
أما بعد الثورة التكنولوجية فقد اتجه الطموح التربوي إلى الابتعاد عن التلقين والحفظ وتبني مصادر تثير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات والسعي نحو تقديم نماذج تربوية حديثة..
وأصبح الهدف التربوي الأول ألا يكون الكتاب المدرسي مجرد وسيلة لتقديم المحتوى، بل يكون تعبيرًا عن رؤية النظام التعليمي بأكمله (السياسات التربوية والثقافية وأولويات الدولة..)
والحقيقة إن بقاء الكتاب في صورته التقليدية يعد عائقًا أمام بناء نماذج تعليمية حديثة تنسجم مع متطلبات الواقع المتغير وعالم التكنولوجيا والمصادر الرقمية…
فإن كنا نؤمن بضرورة التعلم والتكامل مع التكنولوجيا فإننا بحاجة إلى كتاب مدرسي مرن يتناغم مع المصادر الرقمية ويتيح للمعلم والمتعلم مساحات من التفاعل والاكتشاف وذلك من خلال إعادة تعريف أهداف التعليم وتعزيز التفكير النقدي والتعلم الذاتي بتطوير الكتاب وتقديم مناهج أكثر فعالية وارتباطا بحياة الطالب …
ومن هنا نرى أن المشكلة ليست في الكتاب المدرسي، بل في وضعه داخل نظام تعليمي يتيح له التطور لذا فالحل الأمثل للمشكلة لا يكون بإلغاء الكتاب المدرسي، بل بإعادة إعداده برؤية حديثة مرنة تتماشى مع ملامح التعليم المعاصر كي يتجاوز نقل المعارف إلى المنطق الحواري والتفكير والتعلم الحقيقي.
ولنصل إلى تعليم إبداعي لابد من إعادة التفكير في محتوى الكتاب ودوره ضمن منظومة أوسع تشمل مصادر رقمية وتجارب حياتية وتعلم تفاعلي وبناء دماغ دوليّ قادر على حل المشكلات المحلية والعالمية عن طريق اتحاد هدف الإرادة السياسية والتربوية على بناء العقول فدُور العلم لن تستطيع صناعة أمة مبدعة إلا إذا جعلت من الكتاب المدرسي أداة تفكير والدول لن تتقدم إلا إن أعطت المدارس الأولوية في بناء الأمم..
فإن صلح التعليم صلحت الأمة.