فبراير الأسود
أ.رنا جابي
حسن رجل يعشق بلاده ويقدس صلة الرحم، يعيش مع أسرته في حي راقٍ بهدوء حيث تقوم الأسرة بأبحاث تفيد بها البلاد ورغم أن أخا حسن وزوجته يحملا شهادة دكتوراه في الكيمياء إلا أنهما لم يجدا فرصة للعمل إلا في صناعة الطرشي “المخلل” بسبب إهمال البلاد للكفاءات…
كان حسن حريصًا على اجتماع الأسرة وتبادل الخبرات والأحاديث العلمية ومناقشة بعض المشكلات إلا أن وجود مقهى أمام البيت كان يأرّق هدوء الأسرة المكونة من علماء وباحثين يحملون المبادئ والأخلاق حيث إن هذا المقهى واجهة لمكان مليء بالمبيقات وممارسة الرذيلة والفساد وقد حصلت الأسرة على أمر بإقفال المقهى، ولكن دون فائدة ولم ينفذ أمر الإغلاق ولا مرة بسبب علاقة أصحاب المقهى بجهات مسؤولة…
حسن أستاذ جامعي يحمل شهادة دكتوراه في علم الاجتماع، كان يحث طلابه على حب الوطن وإظهار الجمال في بلاده… وفي إحدى محاضراته طرح سؤالًا: ما هو حال الشباب في بلادنا الآن؟ فجاءت إجابات الطلاب مليئة باليأس والضياع والإحباط والبؤس فدعاهم حسن لزرع الأمل والتركيز على الدور الإيجابي وأن البلاد جميلة وعلينا خدمتها وإتباع قول” الأفضل أن نضيء شمعة بدل أن نلعن الظلام” وقال: أنا مثلا سأصطحب أسرتي وأصدقائي إلى رحلة في صحراء مصر للتمتع بجو الصحراء وجمالها … أنتم كشباب يجب ان تظهروا للكل جمال بلادنا وتقومون بواجبكم تجاه بلادكم..
وما أن وصل حسن ومن معه إلى المكان المنشود إلا وهبت عاصفة رملية حطمت السيارة وأغرقتهم في بحر من الرمال وبعد معاناة وخوف وصلت فرقة الإنقاذ المكونة من ثلاثة عناصر أمنية وبدؤوا أولا بنقل لواء في أمن الدولة وزوجته وولديه، ثم مستشار ورئيس محكمة، ثم رئيس جمعية الشباب وقضى العلماء (حسن وأسرته) ليلتهم يعانون العتمة والخوف وانقطاع الأمل من النجاة إلى أن ظهرت مجموعة كلاب سحبتهم من الرمال وفي مشهد كوميدي عاد العلماء إلى المدينة…
اجتمعت الأسرة في بيت حسن يناقشون مشكلة باتت شكوى بلد بأثره ويفكرون في حل يشعرهم بالأمان وأثناء طرح المشكلة قسم حسن المجتمع إلى ثلاث منظومات: الأولى؛ منظومة الجهات السيادية (الحكومة وأمن الدولة والمخابرات، والثانية؛ منظمة العدالة (القضاء، النيابة، الشرطة) والثالثة؛ منظومة الثروة وهذه المنظومة تشتري المنظومتين السابقتين وهؤلاء ينامون دون أرق أو خوف وفي ظل هذا الترتيب يكون الكلام عن الأمل وقاحة…
وبدأت الأسرة تضع حلولا وتفكر بها ليصبحوا ضمن الفئات الآمنة…..
ومن هذه الحلول؛ اللجوء الديني (كفر وإلحاد واضطهاد اجتماعي)، اللجوء الجنسي (شذوذ وعدم تقبل المجتمع) …… وبدؤوا يلجؤون إلى كل الوسائل التي تقتلع حب الوطن من قلوبهم والثقافة من وجدانهم كأغاني عبد الحليم وموسيقاه لقتل الرمز العاطفي في قلوبهم ثم فكروا بإنجاب طفل في بلاد آمنة حتى يحصلوا على الجنسية أو يسعون إلى مشروع زواج إحدى بنات الأسرة لجهة آمنة تنتمي إلى إحدى المنظومات السابقة….بعد يأس الأسرة من إصلاح الداخل وتتالى الأحداث مبينة أننا في بلاد تحتقر العلم والعلماء وتهدي الأوسمة للاعبي الكرة حيث يرمي مدرب الرياضة صور العلماء على الأرض ويغسل دماغه بقوله: أحلامك يجب أن تنحصر أولا بالحصول على السيارة وثانيا بأنثى حسناء وثالثا أولاد بإشارة إلى هدر مكانة العلم والعلماء وتحويل الطموح إلى أمور مادية بدل من العلم والمعرفة…
وتستمر المحاولات لإنقاذ الأسرة من العنصرية الاجتماعية والسعي لضمها إلى المجموعات الآمنة، ولكن كل المحاولات باءت بالفشل واستمرت المحاولات إلى بداية الثورات العربية…
فهل ستقضي الثورات العربية على العنصرية الاجتماعية؟!