أ.روضة تشتش
هل تساءلت يومًا لماذا أقسم الله ببعض الثمار في القرآن الكريم؟ ولماذا جاء ذكر التين والزيتون تحديدًا في صدر سورة التين؟ يقول الله تعالى: “والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين * لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم”، وهذا القسم لم يأتِ عبثًا، بل يحمل في طياته دلالات عظيمة، تتجاوز البعد الروحي إلى أبعاد صحية وغذائية ثبت بالأدلة العلمية الحديثة. فقد كشفت الدراسات أن لهاتين الثمرتين فوائد كبيرة لجسم الإنسان، مما يجعلنا نتأمل الحكمة العميقة في اختيارهما دون غيرهما.
يُعد التين من الفواكه الغنية بالعناصر الغذائية، إذ يحتوي على نسبة عالية من الألياف، إضافة إلى فيتامينات مميزة، من أهمها فيتامين B6، الذي يساعد الجسم على امتصاص عنصر المغنزيوم، وهو عنصر له دور حيوي في تقلص وانقباض العضلات، ما يساهم في تحسين حركة الأمعاء والوقاية من الإمساك. كما أن التين يساعد على تنظيم ضغط الدم، وخفض الكوليسترول، والوقاية من سرطان القولون، وهو مفيد للأشخاص الذين يعانون من متلازمة القولون العصبي. ويتميز التين أيضًا بغناه بفيتامين A، الذي يدعم صحة العين ويحسن البصر، فضلًا عن دوره في تعزيز الإدراك والتركيز، والحد من الضرر التأكسدي الذي يصيب خلايا الدماغ. ولا يمكن إغفال أهمية التين في دعم صحة العظام، إذ يرتبط الكالسيوم والبوتاسيوم، الموجودان فيه، بشكل مباشر بكثافة العظام والوقاية من هشاشتها، ولذلك شبّه بعض الباحثين المعادن الموجودة في التين بتركيبة حليب الأم نظرًا لتكاملها.
ولا تتوقف فوائد التين على ثمرته فقط، بل تمتد إلى أوراقه وحليبه كذلك. فـ”حليب التين” يستخدم تقليديًا لعلاج تشققات كعب القدم، كما يدخل في تنظيف الجلد في بعض المناطق التي تعاني من الالتهابات أو التقرحات. أما أوراق التين، فهي مصدر غني بالألياف، وتساهم في تعزيز صحة الجهاز الهضمي، وتحسين حركة الأمعاء، والوقاية من الإمساك. كما تلعب دورًا في السيطرة على مستويات السكر في الدم، مما يجعلها مفيدة جدًا لمرضى السكري. وتشير بعض الدراسات إلى أن أوراق التين قد تُستخدم كوسيلة وقائية ضد سرطان الثدي وسرطان الجلد، ويمكن الاستفادة منها إما بمضغها أو بتحضير شاي من الأوراق المجففة.
أما الزيتون، فهو ثمرة مباركة ذُكرت في عدة مواضع من القرآن الكريم، وتتميز بفوائد صحية عظيمة. فالزيتون يساهم في حماية القلب من الجلطات، عن طريق خفض الكوليسترول الضار (LDL) ورفع الكوليسترول الجيد (HDL)، كما يحتوي على مضادات أكسدة قوية مثل فيتامين A وE، ما يعزز مناعة الجسم ويحد من الالتهابات. وبفضل مركبات البوليفينول، يدعم الزيتون الوظائف الدماغية ويقلل من خطر الإصابة بالزهايمر. كما يساعد في ضبط الشهية وإنقاص الوزن، نظرًا لاحتوائه على دهون مفيدة وسعرات حرارية منخفضة نسبيًا، ويُعد أيضًا مصدرًا جيدًا للحديد، ما يجعله فعالًا في حالات فقر الدم. وإلى جانب ذلك، يُستخدم الزيتون لتحسين صحة البشرة والشعر، إذ يرطب الجلد، ويقاوم علامات الشيخوخة، ويُخفف من القشرة والجفاف. وبفضل محتواه من الألياف، يساهم في تعزيز عملية الهضم وخفض الكوليسترول، كما يُخفف من الالتهابات المزمنة مثل الروماتيزم.
ورغم الفوائد المعروفة لكل من التين والزيتون على حدة، إلا أن تناول هذين العنصرين معًا يؤدي إلى نتائج فريدة. حيث تشير الدكتورة أماني الشريف، أستاذ المناعة والميكروبيولوجي بجامعة الأزهر، إلى أن اتحاد التين والزيتون يُنتج مركبات فعالة تُحفز خلايا الجسم، وتساعدها على استعادة شبابها وحيويتها، مشيرة إلى أن هذا التحفيز يعيد الخلايا إلى “أحسن تقويم” كما جاء في الآية الكريمة، أي إلى الصورة المثلى التي خُلقت بها.
وقد أُجريت دراسات علمية حديثة تؤكد فعالية هذا المزيج. من أبرزها دراسة أعدّتها جامعة جدة، استخدمت فيها نموذجًا محاكيًا لمرض الزهايمر عند الفئران باستخدام مادة “سكوبولامين”. وُزعت الفئران إلى مجموعات، وتبيّن أن الفئران التي تناولت خليط التين وزيت الزيتون أظهرت تحسنًا ملحوظًا في الأداء الإدراكي، إلى جانب انخفاض نشاط إنزيم Acetylcholinesterase في منطقة الحُصين، وهو ما يدل على دور المزيج في تعزيز الوظائف العصبية وتقوية الذاكرة. كما أظهرت الدراسة نتائج إيجابية في مقاومة الشوارد الحرة وزيادة مضادات الأكسدة في الجسم. وفي دراسة سريرية أُجريت في إيران بقيادة الباحثة شهنار بذوري، نُشرت في مجلة Avicenna Journal of Phytomedicine عام 2016، تم اختبار تأثير هذا المزيج على مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي على مدى 16 أسبوعًا. وأظهرت النتائج تحسنًا طفيفًا في تقييم المرضى الذاتي لحالتهم الصحية، بينما لم تكن التغيرات في مؤشرات الالتهاب الأخرى ذات دلالة إحصائية كبيرة، ما يشير إلى أن المزيج قد يكون له دور تكميلي في دعم الصحة المناعية، وليس علاجًا قائمًا بذاته.
كما مقال نُشر على موقع healthfoodorganic، إلى أن الجمع بين التين والزيتون يُحدث تفاعلًا غذائيًا فريدًا بسبب وجود “أشباه الفلزات” في كلا المكوّنين، واقترح المقال أن الجرعة المثالية للاستفادة من هذا المزيج هي تناول حبة تين واحدة مع سبع حبات زيتون صباحًا. وأشارت مصادر غير أكاديمية إلى أن فريقًا بحثيًا يابانيًا تمكن من استخلاص مادة فعالة تُعرف باسم الميثيونين من التين، والتي لا تكون نشطة إلا عند مزجها بمركب موجود في الزيتون، وهو ما يساعد على تأخير مظاهر الشيخوخة وتجديد شباب الجسم، خاصة بعد سن الأربعين، من خلال خفض الكوليسترول وتحسين التمثيل الغذائي. ويُحضر هذا المزيج تقليديًا بوضع نحو 30 إلى 40 حبة تين مجفف في وعاء مملوء بزيت زيتون بكر، ويُترك لمدة تتراوح بين شهر وشهر وعشرة أيام، ثم يُؤخذ منه صباحًا ومساءً على معدة فارغة. ومع ذلك، لا يُنصح بهذا المزيج لمن يتبع نظام “كيتو”، لأن التين، وخاصة المجفف منه، يحتوي على نسبة عالية من السكر.
في نهاية التأمل والتدبر، يتبين لنا أن هاتين الثمرتين لم تُذكرا في القرآن عبثًا، بل إن وراء ذكرهما معان عميقة وأسرار عظيمة تجمع بين البركة، والغذاء، والدواء. فالتين، بفوائده الصحية الغنية بالألياف ومضادات الأكسدة والفيتامينات، يُعد غذاءً طبيعيًا يعزز مناعة الإنسان ويقيه من العديد من الأمراض المزمنة. والزيتون، بزيتِه المبارك الذي لا يكاد يخلو منه بيت، يحتوي على دهون مفيدة تحافظ على صحة القلب والدماغ، إلى جانب خصائصه المضادة للالتهاب.