البحث عن الجمال والمعنى
أ. حسين ملاحفجي
منذ فجر التاريخ، كان الإنسان كائنًا يسعى إلى أكثر من مجرد البقاء. فبينما كانت المخلوقات الأخرى تكتفي بالطعام والمأوى، حمل الإنسان في داخله شغفًا غامضًا يدفعه نحو التعبير، نحو رسم خطٍّ على جدار، أو نظم بيتٍ من الشعر، أو نحت تمثالٍ من الحجر. هذه الدوافع الفنية لم تكن ترفًا، بل كانت انعكاسًا عميقًا لجوهر الإنسان الباحث عن ذاته ومعناه في هذا الكون الواسع، الباحث عن تساؤلاته وهواجسه، عن مشاعره وأحاسيسه، وحولها إلى جمال لبيته ومدينته.
فكانت حاجة الإنسان إلى التعبير والتفريغ النفسي، فعندما نفكر أو نشرد أو نغضب نعبث نشخط بالقلم أو نضرب حجراً..
فالفن والرسم والشعر وسائط روحية تمكّن الإنسان من التعبير عن مشاعره التي قد تعجز اللغة العادية عن وصفها. في لحظات الفرح أو الألم، يجد الفنان في اللون، والشاعر في الكلمة، وسيلة لتفريغ ما يختلج في أعماقه، فيتحول الإحساس إلى لوحة أو قصيدة، ويصبح الألم جمالاً ناطقًا.
وكذلك البحث عن الجمال والكمال، فالجمال غريزة مغروسة في النفس الإنسانية. من خلال الفن يسعى الإنسان إلى تجسيد رؤيته للعالم كما يحب أن يكون، لا كما هو. لذلك فإن الرسم والشعر هما محاولة لتجميل الواقع، وخلق عالمٍ مثاليٍّ تتناغم فيه الألوان والكلمات في انسجامٍ روحيٍّ فريد.
وكذلك الرغبة في الخلود وترك الأثر، فيريد الإنسان أن يترك بصمة بعد رحيله، والفن يمنحه هذا الخلود….
فالقصائد تبقى، واللوحات تُروى قصصها بعد قرون. ولعل هذا ما جعل الحضارات القديمة تخلّد عبر فنونها أكثر مما تخلّد بسيوفها.
والتواصل مع الآخرين والبحث عن الفهم لأن الفن لغة عالمية، يتحدثها القلب قبل اللسان. فالرسم والشعر يختصران المسافات بين الشعوب والثقافات، ويتيحان للإنسان أن يقول “أنا هنا، أشعر كما تشعرون”. بهذا المعنى، يصبح الفن جسرًا إنسانيًا يوحّد ولا يفرّق.
ختاماً إن دوافع الإنسان نحو الفن والرسم والشعر ليست مجرد هوايات، بل هي جزء من طبيعته الوجودية. فكل لوحة تُرسم، وكل بيتٍ يُكتب، هو محاولة لفهم العالم ولتعريف الإنسان بنفسه. الفن إذًا ليس ترفًا، بل هو حاجة، وبدونه يفقد الإنسان بعضًا من إنسانيته.

