أ. خالد نضال الإبراهيم

مقدمة

شهدت الأشهرالأخيرة في سوريا انتشارًا واسعًا لحملات التبرع الشعبية التي ظهرت في مختلف المحافظات بهدف دعم إعادة الإعمار وتحسين الخدمات الأساسية.

ومع تزايد الضغوط الاقتصادية وضعف الإمكانات المتاحة، بدأت هذه الحملات تأخذ مكانًا مهمًا في المشهد الاجتماعي، وأصبحت وسيلة يعتمد عليها الناس لسدّ جزء من الاحتياجات التي تراكمت خلال سنوات طويلة من الأزمات.

هذه المبادرات لم تعد مجرد نشاط خيري محدود، بل تحوّلت إلى حالة اجتماعية تعبّر عن رغبة واضحة لدى السوريين في المشاركة الفعلية في تحسين واقعهم، وإعادة بناء ما يمكن بناؤه ضمن الإمكانات المتاحة.

كما أنها تعكس مستوى جديدًا من الوعي والمسؤولية، حيث بات المجتمع يرى نفسه شريكًا في الحل وليس مجرد متلقٍّ للخدمات.

أهمية هذه الحملات

تبرز أهمية هذه الحملات من خلال قدرتها على التدخل السريع في المناطق التي تحتاج إلى دعم مباشر.

 فهي تساهم في ترميم المدارس، إصلاح الطرق الفرعية، دعم شبكات المياه، وتأهيل المراكز الخدمية التي يعتمد عليها الناس في حياتهم اليومية.

إلى جانب ذلك، تلعب دورًا مهمًا في تعزيز التضامن بين أبناء المجتمع، وتعيد إحياء روح التعاون التي تراجعت خلال سنوات الحرب.

 كما أنها تحرك عجلة الاقتصاد المحلي عبر تشغيل ورشات وعمال ومهندسين، وتمنح الناس شعورًا بأنهم قادرون على إحداث تغيير حقيقي في بيئتهم.

رأي المجتمع السوري

تتباين نظرة المجتمع السوري تجاه هذه الحملات، لكن الغالبية ترى فيها خطوة إيجابية تعبّر عن قوة الروابط الاجتماعية وقدرة الناس على دعم مدنهم وقراهم.

 في المقابل، هناك من يخشى أن تتحول هذه المبادرات إلى بديل دائم عن مسؤوليات الدولة، أو أن يُنظر إليها كحل طويل الأمد رغم أنها في جوهرها حلول إسعافية ومحدودة الموارد.

هذا التباين طبيعي، ويعكس إدراكًا عامًا بأن هذه الحملات مهمة وضرورية، لكنها ليست كافية وحدها لمعالجة المشكلات الكبرى.

هل تشكّل حلًا حقيقيًا لإعادة الإعمار؟

من منظور اجتماعي محايد، يمكن القول إن حملات التبرع تشكّل جزءًا من الحل لكنها ليست الحل الكامل.

فهي قادرة على إنجاز مشاريع صغيرة ومتوسطة تُحدث فرقًا مباشرًا في حياة الناس، لكنها غير قادرة على معالجة الملفات الكبرى مثل الكهرباء والمياه والطرقات الرئيسية، والتي تحتاج إلى تمويل ضخم وخطط طويلة الأمد.

بمعنى آخر، هذه الحملات تصلح ما يمكن إصلاحه بسرعة، لكنها لا تستطيع وحدها إعادة بناء البنية التحتية على مستوى وطني شامل.

هل هي كافية؟ وما الذي يجب أن يرافقها؟

رغم أهميتها، تبقى هذه الحملات غير كافية وحدها.

ولتكون أكثر فاعلية يجب أن تترافق مع:

• رؤية وطنية واضحة لإعادة الإعمار وتحديد الأولويات.

• شفافية مالية تعزز ثقة المتبرعين.

• تعاون بين المجتمع المدني والقطاع الخاص والجهات الرسمية.

• تدريب لجان محلية على إدارة المشاريع ومتابعتها.

• تحويل الحملات من مبادرات موسمية إلى صناديق دائمة ومستقرة.

• التركيز على المشاريع الأكثر إلحاحًا بدل التشتت بين مبادرات كثيرة.

بهذه الخطوات يمكن للحملات أن تتحول من مبادرات عاطفية إلى أدوات تنموية مستدامة.

نسبة النجاح المتوقعة

التجارب الحالية تشير إلى أن هذه الحملات تحقق نتائج جيدة في المشاريع الصغيرة التي تعتمد على جهود محلية مباشرة، بينما يكون نجاحها متوسطًا في المشاريع المتوسطة التي تحتاج إلى تنسيق أكبر، وضعيفًا في المشاريع الكبرى التي تتطلب تمويلًا حكوميًا أو دوليًا.

هذا التفاوت طبيعي ويعكس حجم التحديات مقارنة بالإمكانات المتاحة.

خلاصة

حملات التبرع في سوريا ظاهرة إيجابية تعبّر عن قوة المجتمع وقدرته على المبادرة، لكنها لا يمكن أن تكون بديلاً عن خطط الدولة أو الدعم الدولي.

قيمتها الأساسية أنها تعيد الحياة إلى التفاصيل الصغيرة التي يعتمد عليها الناس يوميًا، وتعيد بناء الروح قبل الحجر.

أما إعادة الإعمار الشامل فهي مشروع طويل يحتاج إلى موارد ضخمة واستقرار وتخطيط مؤسسي.

ومع ذلك، تبقى هذه الحملات خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، ودليلًا على أن المجتمع السوري ما زال قادرًا على النهوض رغم كل التحديات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *