زكريا ملاحفجي

مرّت وتمرّ محافظة السويداء في هذه المرحلة بمنعطف حساس، يتجاوز حدودها الجغرافية ليشكّل اختبارًا وطنيًا بامتياز، يمتحن وعي السوريين جميعًا، ويضع الدولة والمجتمع أمام مسؤوليات جسيمة تجاه وحدة الوطن وسلامه الاجتماعي

فما جرى من تصاعد للعنف ومطالب يعكس تراكم أزمات اجتماعية وسياسية عميقة، ويعبّر عن حالة من القلق لكن في المقابل، فإن طريقة التعاطي مع هذه الأحداث – شعبيًا ورسمياً – هي ما سيحدد إن كنا قادرين على تجاوز الأزمة بالحكمة، أو الانزلاق نحو الفوضى التي لا تخدم إلا أعداء سوريا

إن القضية في جوهرها ليست قضية محافظة أو طائفة أو شريحة بعينها، بل هي قضية وطن بكل مكوناته. السويداء كانت وما زالت جزءًا أصيلًا من نسيج سوريا، قدمت أبناءها تاريخياً في الدفاع عن الأرض والكرامة، ولهذا، فإن صون سوريا من خلال ماحصل في السويداء هي مسؤولية وطنية عامة

من هنا، فإن ما يحدث في السويداء اليوم يجب أن يُقرأ بوعي وطني شامل، لا بعين التجزئة أو التحيز. فمحاولة بعض الجهات استغلال الحدث لتأجيج الانقسام أو توجيه الرسائل السياسية الضيقة، يُعد خيانة لجوهر الحراك الشعبي الحقيقي، ويخدم فقط مشاريع مشبوهة تتربص بسوريا، وكذلك التواضع الوطني الواعي من الجميع من أجل المصلحة العامة هي مسؤولية الجميع والانفتاح والتشاركية هي اللغة التي ينبغي أن تسود ليسود الاستقرار

أمام هذا الواقع، لا يوجد حل أنجع من لغة الحوار، فهي السبيل الوحيد لتفكيك التوتر، وبناء الثقة، وتقديم الضمانات. لا يجوز أن تبقى المطالب محصورة في الشارع والعنف، ولا أن يُترك المواطن فريسة لليأس أو الشكوك. بل يجب أن تكون هناك قنوات واضحة ومفتوحة، تسمح بتبادل الرأي، وتقديم الحلول، والوصول إلى تفاهمات وطنية تحمي الجميع

الحوار لا يعني التنازل، بل هو شجاعة الاعتراف بالآخر، والإيمان أن لا أحد يملك الحقيقة وحده. وهو ضرورة في وقت تحاول فيه قوى خارجية، وعلى رأسها إسرائيل، الاستثمار في أي شرخ داخلي لإضعاف وحدة سوريا، وزرع الفتن، وتمزيق النسيج المجتمعي المتماسك.

إن ما حدث ليس مجرد احتجاج في منطقة محددة، بل هو رسالة عميقة لنا جميعًا: إلى الدولة بمؤسساتها، التي عليها الإنصات بجدية والتفاعل بإيجابية؛ وإلى المجتمع، الذي عليه أن يتحلى بالحكمة واليقظة، وأن يرفض الانجرار وراء الخطابات التحريضية؛ وإلى الإعلام، الذي يتحمّل مسؤولية كبيرة في نقل الحقيقة لا الإثارة

أحداث السويداء تضعنا جميعًا أمام لحظة صدق وطنية. فإما أن نرتقي إلى مستوى التحدي، ونكون على قدر هذه اللحظة التاريخية، أو نسمح لها أن تتحول إلى بوابة جديدة للفوضى والانقسام، لا سمح الله

في النهاية، إن السلم الأهلي ووحدة التراب السوري، ليسا شعارات نرفعها، بل مسؤولية نعيشها كل يوم، ونحميها بالعقل والحوار والتضامن. كل سورية اليوم تنادينا جميعًا – دولة وشعبًا – لتغليب صوت العقل على الانفعال، وصوت الحوار على التصادم

فهل ننجح في هذا الاختبار؟ الجواب بيدنا جميعًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *