أ. محمد الراوي
بذرة تلقى في عقول البشر لتبدأ رحلة التهيئة
زرع الفكرة
القصة دائما تبدء بكلمة صغيرة، تهمس هنا تكرر هناك، حتى تتحول إلى نبأ مرتقب، هذه الزرعة اللفظية لا تحتاج دليلا يكفي أن تتكرر لتجعل العقل يتعامل معها كاحتمال ممكن، بل كمصير ينتظر لحظة التحقق السرد قبل الحدث
المشهد لا يولد من فراغ، بل يبنى مسبق، تحاك قصص فرعية، تنثر رؤى، وتختلق شواهد صغيرة، ليشعر الجمهور أن ما سيأتي طبيعي ومتوقع بل نتيجة لما سمعوه مسبقا، هكذا يصبح الناس شركاء في صناعة المشهد الذي سيعرض عليهم لاحقاً
تهيئة العقل البشر، يحين يقال لك مراراً إن حدثا خارقاً سيقع فإن عقلك يتأهب لرؤيته، وعندما يأتي العرض المصنوع لا تحتاج إلى برهان لتصدقه، التهيئة النفسية هي نصف الطريق… أما النصف الآخر فهو التكنولوجيا
سيناريو وأدوات الوهم
المشهد المخطط تقديمه للناس يحدد مايصدقه الجمهور قبل أن يفهم الحقيقه كاملة فالجميع سيرون الأمر ذاته في اللحظة نفسها وهنا يولد التصديق الجمعي.
الشرعية لا تصنع بالدليل بل بالاتفاق العام، عندما يشهد الجميع المشهد تتحول الخدعة والخبر إلى حقيقة لا يجرؤ أحد على نفيها فالخوف … والأمل هما الركيزتنان فجميع البشر يتوقون لتحقيق معجزات حتى لو كانت فوق التصور العقلي فهذا المشهد المقدم لهم يلعب على أوتار الروح فيغلق باب العقل، ويسلم القلب نفسه للوهم
وهنا يكون دور الإعلام في السيطرة على عقول البشر
الإعلام هو آداة سحرية التي يمكنها توجيه الرأي العام إلى شيء يريده ويبعده عن آخر لا يريده وتعبئته وتصوير ماليس له وجود على أنه واقع ملموس لا مفر منه فهو يلعب دوراً محوريا في صناعة الحدث وفي صناعة الهزائم والإنتصارات وفي صناعة الخطر المحدق بالشعوب، وهناك مقولة لأحد القادة الألمان في الحرب العالميه الثانيه وهو يتكلم عن دور الإعلام فيقول ( إننا نستهلك الكثير من القنابل لندمر بها مدفعا واحداً في يدي جندي، أليس الأرخص لنا أن نوجد وسيلة تسبب إضطراب الأصابع التي تضغط على زناد المدفع في يد الجندي) وهذا مايقوم به الإعلام الغربي الآن من خلال سيره لعقولنا ومعرفة ماهو الدواء الناجح للسيطرة على هذه العقول وجعلها ترضى وتصدق أعماله بل وتجعلهم يدافعوا عنها بكل قوتهم حيث تحول جزء من شعوبنا للعمل ضد بلدانهم تنفيذا لما يؤمرون به بعد أن تم غسل أدمغتهم، فلقد اهتم علماء النفس الاجتماعي منذ خمسينيات القرن الماضي بدراسة مصطلح “غسيل الدماغ” الذي يتلخص في السيطرة على العقول عن طريق عدة طرق منها التخدير النفسي، إجراءات التلقين، الإقناع الغامض وغيرها، فمنذ ذلك التاريخ صدر العديد من الكتب التي تشرح كيفيه التلاعب بالجماهير والسيطرة على عقولهم عن طريق الإعلام ككتاب (المتلاعبون بالعقول) للكاتب لهيربرت شيللر الذي صدر عام 1974م يتكلم الكتاب عن التضليل الإعلامي والوعي المعلب وصناعة المعرفة وكيف يتم التحكم بالرأي العام ويقول بأن صناعة التلاعب بالعقول تتم عن طريق خمس أساطير جرى ترويجها بعناية وذكاء حتى باتت تلك الأساطير تشكل الإطار التضليلي الذي يوهم عقولنا بإدعاء الحقيقة
معركة الوعي بين الإعلام المضلل وإيصال الحقيقة للجمهور
بدورنا علينا أن ننصح المتلقي والمشاهد بالإنفتاح على مصادر أخرى للخبر وعدم الاعتماد على مصدر واحد وبجدر بالعاقل ألا يتلقى كل خبر بالتصديق المطلق وأن يعتمد على المصادر الموثوقة فكثير من عمليات التضليل الإعلامي تعتمد على إخفاء المعلومة أو إبهامها وعلى المستمع أن يكون واعيا للأجندات فكثير من المنصات الإعلامية هي منابر لدول أو أحزاب أو تيارات تحتضنها
فإن أهم قضية للوصول إلى الحقيقه هي تلقيه من مصدر موثوق ولا يكفي الاعتماد على منصة إعلامية واحدة حتى لو كانت في غاية المصداقية فينبغي أن تبني لنفسك شبكة من منصات الإعلام ممن جربتها وأختبرتها لا على بناء السمعة فقط بل بالتوثيق والأهم من هذا كله عليه أن تكون نفسك متقدة بجذوة الحقيقة تطلبها وتبذل الجهد في الوصول إليها حتى وإن كانت خلاف رغبتك وإن ترفض الزيف وتأنف الغش حتى لو كان موافقا لهواك
وأختم مقالتي بوصف المغيرة بن شعبة وهو يصف عمر بن الخطاب فيقول (له عقل يمنعه أن يخدع)

