أ.لورين المرعي
شهد المجتمع السوري في ظل سنوات الثورة السورية والحرب تحولات اجتماعية جذرية وتبدلات ديمغرافية، هزت البنية الأخلاقية للمجتمع السوري وغيرت شكل المجتمع التقليدي المعتاد لشعبه، مما يستدعي عقودًا لمعالجة آثار هذه الكوارث وإعادة بناء النسيج الاجتماعي والأخلاقي.
إن سنوات حكم الأسد في سوريا لم تقدم أي تطور يُذكر على مستوى التنمية، أو تحديث البنى التحتية والاقتصادية والعلمية والصحية. ولم يقتصر التأثير السلبي على هذا، بل أدى انتشار المخدرات إلى تهديد عقول الشباب وبنيتهم الأخلاقية، ما هدم القيم الأساسية في المجتمع، وجعل من التعامل مع هذه الظاهرة تحديًا اجتماعيًا وأخلاقيًا معقدًا.
إضافة إلى ذلك، خلّفت الحرب السورية بيئة مليئة بالعنف، حيث نشأ الأطفال وشاهدوا القتل والتدمير، فصارت مشاهد الموت والعنف مألوفة، مما انعكس في ارتفاع معدلات الجريمة، وتفاقم الأمراض النفسية، وتدهور القيم الأخلاقية. ومع هجرة الملايين، وخصوصًا العقول المتعلمة، شهدت سوريا تغيرًا ديمغرافيًا كبيرًا، إذ تمزّق النسيج الاجتماعي وتوزع أفراد العائلة الواحدة بين محافظات ودول مختلفة، ما أضعف الهوية الجمعية.
لمعالجة هذه الأزمات، يتطلب الأمر خططًا شاملة تعزز البنية الاقتصادية، لأن الفقر يعد السبب الرئيسي لأي كارثة مجتمعية، مع ضمان توزيع المناصب وفق الكفاءة، وتشجيع المبادرات الشبابية، ودعم المؤسسات العامة والخاصة، واعتماد خطاب متوازن وسوري-سوري بعيد عن الطائفية أو القومية. كما تعتبر القوانين الصارمة ضد الجرائم الإلكترونية، وتمكين جميع المحافظات والأرياف، من الخطوات الضرورية لإعادة إنتاج مجتمع متماسك.
ويعد تمكين المرأة أحد الأعمدة الأساسية في إعادة بناء المجتمع، فالمرأة ليست نصف المجتمع فقط، بل هي المجتمع بكامله؛ وإذا ضعف حضورها أو قلّت مشاركتها، انعكس ذلك على الأسرة والعمل والحياة العامة. ومن هنا تأتي الحاجة إلى تعزيز حضور النساء في مواقع المسؤولية، ودعم المبادرات العملية، وإرساء بيئة تشريعية وثقافية تضمن مشاركة فعّالة، مع التوعية السياسية للمرأة لضمان وعيها وقدرتها على التأثير في الشأن العام.
إن معالجة الآثار الاجتماعية والأخلاقية التي خلّفتها الحرب تتطلّب مسؤولية مشتركة لا تقع على عاتق الدولة وحدها، بل تحتاج إلى مساهمة فاعلة من الأحزاب والجمعيات والمنظمات والمجتمع المدني كلّه، من خلال مبادرات تعزز الوعي، وتدعم الفئات المتضررة، وتعيد ترميم النسيج الاجتماعي والثقافي. وقد أثبت السوريون داخل البلاد وخارجها أنّهم شعبٌ متعلّم وفعّال يمتلك قدرة كبيرة على التكيّف والبناء، ما يعزز الأمل بإمكان إعادة تشكيل هوية اجتماعية أكثر تماسكًا وعدالة، متى توفرت الإرادة المشتركة والرؤية المستقبلية الواضحة.
