أ.محمد عبد الرحمن كفرجومي

      (رجل من أنذل الرجال الذين رأيتهم في حياتي)

زهور النرجس هي: زهورٌ بريّة جميلة ذات رائحة فائقة الجمال تبهج العين والقلب معًا، وهي لا تحب أن توضع في كأس أو في أصيص.. هي تهوى الطبيعة وتعشقها

سهل الروج في الشمال السوري تنمو في بعض بقاعه هذه الزهور العطرة.. وكان أطفال قريتنا الذين هم في مثل سنّي حينها يقطفونها ويعملون منها باقاتٍ جميلة ويقفون على الطريق العام الواصل بين حلب واللاذقية ليبيعوها للسيارات الذاهبة والآيبة.. حيث قريتنا تقع على هذا الطريق…

وفي سنة من سنيّ طفولتي وقد أوشك موسم هذه الزهرة التي أعشقها على الانتهاء.. ذهبت وأنا طفل لا يتعدى التاسعة من العمر لأقطف زهور النرجس ولقد أمضيت وقتًا طويلًا (يمكن من الظهر إلى قبيل الغروب) أبحث في كل الأماكن التي من الممكن أن تنمو فيها هذه الزهور فأقطف من هنا زهرة ومن هناك أخرى حتى تحصّلت على باقة واحدة لا غير.

من ثمّ أتيتُ إلى الطريق العام ووقفت لأبيعها، وحين وصلت رفعت بيدي الباقة ليراها من يودّ شراءها فتوقفت قربي سيارة ضخمة هي صهريج بترول وسألني: بكم هذه؟  فأجبته بليرة واحدة (آهٍ على الليرة الآن)

فمدّ يده ليتناول باقة النرجس ومددت يدي وأعطيته إياها فما كان منه إلا أن انطلق بسيارته الصهريج دون أن يعطيني ثمنها…

لقد حزنت منه كثيرًا وأسفت على تعبي والوقت الطويل الذي أمضيته في جمع زهورها من أماكن عديدة

فما شعور هذا السائق آنذاك عندما أحزنَ طفلًا صغيرًا، وجعل أمله في ليرة واحدة يذهب أدراج الرياح أعتقد أني سامحت كل من أساء إليّ منذ ولدتُ إلى هذه اللحظة التي كتبت فيها حروفي هذه إلا هذا الرجل الذي هو من أنذل الرجال الذين رأيتُهم في حياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *