د.رضوان الحريري

في الدول المستقرة تكون لجان المراقبة النزيهة المشكلة في أي دولة، تكون لمراقبة الموظفين والقائمين على شؤون الناس، وهذه اللجان نائبة ووكيلة عن الشعب إذ من المستحيل أن يقوم الشعب جميعه بهذه المهمة، أما في حال سقوط الدولة وانحلال لجان المراقبة أو ضعفها وعدم قدرتها على أداء مهامها تبطل هذه الوكالة ويعود الحق لأهله في السؤال والمراقبة والمحاسبة.

ولكن ما نشاهده اليوم في ظل ضعف العمل الشعبي الرقابي، استهتار المسؤولين بهذا الشعب، نجدهم يستخدمون جملة وكأنها من المسلمات للهروب من التغيير والإصلاح والذي هو أسُّ النجاح والاستمرار في تقديم الأفضل، وكما أصبحت هذه الجملة كذلك تقال لتسويغ الفساد وعدم إعطاء الحقوق أصحابها:

(رضا الناس غاية لا تدرك).

نعم هذه المقولة التي يرددها كل من انتُقد أو أشير إليه بشيء من التقصير أو الفساد، نسمعها كل يوم وفي كل مؤسسة وفي كل ناد ومحفل…

فإذا قيل للسياسيين الذين لم ينجزوا شيئًا في ميدان السياسة ولم يجلبوا مصلحة للناس، لماذا لا تحسِّنوا من أدائكم وتحققوا طموحات الشعب الذي تمثلونه، فالناس ساخطة عليكم؟ يكون الجواب: دعنا من هذا، فالناس لا تعرف شيئاً، وأصلاً:  (رضا الناس غاية لا تدرك)!

العاملون في المنظمات والقائمون على الإغاثة: أين تذهب المساعدات، لماذا لا توزعونها بشكل جيد، كثير من الناس لا يرون شيئاً؟ الجواب جاهز: (رضا الناس غاية لا تدرك )!

خطيب الجمعة: لماذا لا تخطب عن الواقع الفاسد، والثورة كيف سنشعلها من جديد وهي التي انطلقت من المساجد؟ ولماذا لا تحسّن مهاراتك، فالناس ملّت من أسلوبك؟ الجواب:رضا الناس غاية لا تدرك!

الإعلامي: لماذا تسلط الأضواء على بعض الأحداث دون غيرها، لماذا يُترك ما يهمّ الناس وتنصرفون عنه إلى مواضيع أخرى أقل أهمية؟ الجواب: رضا الناس غاية لا تدرك !

صانع المحتوى: هناك تردٍّ في المحتوى الذي تصنعونه فلو أنكم ابتعدتم عن التفاهة التي ملئت مجموعاتنا وحساباتنا والناس تحتاج إلى غير ذلك؟ الجواب: رضا الناس غاية لا تدرك!

القائم على مؤسسة ما: لو تبتعدون عن الواسطة والولاءات والتكتلات والتحيُّز، وتضعون المناسب في مكانه، فالناس غير راضية على سلوككم، الجواب: رضا الناس غاية لا تدرك!

نعم (رضا الناس غاية لا تدرك) إن قام الإنسان المسؤول بما توجبه عليه المسؤولية من إصلاح وإتقان وتفانٍ وإخلاص وأمانة، لذلك نرى الشافعي رحمه الله صاحب المقولة التي يُستشهد بها هؤلاء، يقول: (رضا الناس غاية لا تدرك، فعليك بما يصلحك فالزمه فإنه لا سبيل إلى رضاهم).

فالعبارة ليست على إطلاقها، وإنما هي مقيدة بقيد تحقّق الإصلاح، فإذا أتقن المسؤول عمله وراعى صلاحه، وجعل العدل مطلبه، والحق غايته، حينئذ يحق له القول إذا سخط الناس:  رضا الناس غاية لا تدرك؛ لأن بعض الناس لا يرضيها اتباع الحق والأخذ به.

أما أن تُصرَّ على الخطأ ولا تصوبه، وعلى الفساد فلا تصلحه، والفشل فلا تعالجه، وتبقى في منصبك إلى أن يشاء الله، فاستشهادك بتلك المقولة ذريعة للتهرب من الإصلاح وللاستمرار في الفساد والمنصب.

ثم من قال أن نضع أنفسنا موضع تهمة، ولا نحسب للناس حساباً، ولا نلقي لهم بالاً، ولا نقيم لرضاهم وزنًا!!

ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة لرجلين من الصحابة أسرعا عندما شاهداه مع امرأة خشية الحرج، فأوقفهما مبيّنًا لهما أنها زوجته صفية؟

ألم يعترض ذلك الصحابي على عمر لأنه لبس ثوبين اثنين وقد ألبس الناس ثوباً ثوباً، حتى أشهد ابنه بأن الثوب الثاني له وقد أعطاه لأبيه؟

ألم يجلس عثمان رضي الله عنه مع من خرجوا عليه حتى فنَّد لهم حججهم؟

فالسياسي يجب أن يكون أبعد الناس عن الاستشهاد بتلك المقولة لأنه يدّعي أنه يمثّل الناس، فكيف الآن لا يهمه رضاهم أو سخطهم؟! وخاصة ونحن نعيش في حالة ثورة التي وإن ظن الفاسدون أنها خمدت لكنها في الحقيقة جمر يكاد أن يشتعل مرة أخرى.

وعلى كل حال الناس لن تنتظر كثيرًا مَنْ آخر همّه إرضاؤهم، بل ستأخذ على يده، وتؤطّره على الحق أطرًا، أو ستخلعه خلعًا، وهذه نتيجة الاستهتار بالناس وعدم الاهتمام بهم والاستخفاف بأمرهم.

من رئيس هيئة التحرير

محترف ذو خبرة في إدارة البرامج والمشاريع مع أكثر من ثماني سنوات في القطاع الإنساني، مشرفًا على برامج متنوعة بخبرة متخصصة في قطاعات الصحة والتغذية والحماية. يحمل شهادتي PMP® وPgMP® المرموقتين من PMI، الولايات المتحدة الأمريكية. أكمل درجة الماجستير في الصحة العامة الدولية في جامعة ليفربول جون مورس، المملكة المتحدة، مع التركيز على الاستجابة لتفشي الكوليرا في أفريقيا جنوب الصحراء، ودرجة الماجستير في إدارة الرعاية الصحية من جامعة غازي عنتاب، تركيا. تخرج حديثًا بدرجة ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة غازي عنتاب، تركيا. شغوف بتحقيق التغيير الإيجابي والابتكار في المساعي الإنسانية، وتطبيق المعرفة الأكاديمية والخبرة المهنية الواسعة في الأدوار القيادية. Experienced professional in programs and projects management with over eight years in the humanitarian sector, overseeing diverse programs with specialized expertise in Health, Nutrition, and Protection sectors. Holds esteemed PMP® and PgMP® certifications from PMI, USA. Completed an International Public Health MSc at LJMU, UK, focusing on cholera outbreak responses in Sub-Saharan Africa, and a Master's in Healthcare Management from Gaziantep University, Turkey. Recently graduated with an MBA from Gaziantep University, Turkey. Passionate about driving positive change and innovation in humanitarian endeavours, applying academic knowledge and extensive professional experience to leadership roles.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *