دقيقة صمت فقط ويتغير كل شيء

أ.لينا بغدادي

أتذكر عندما كنا طلابا في المدرسة وكان يصادف مرور ذكرى سنوية لحرب ما، في الصباح وقبل أن ندخل إلى الصفوف كان يطلب منا أن نقف دقيقة صمت حدادا على أرواح الشهداء الذين قضوا في تلك الحرب…

في تلك الدقيقة الفقيرة الوحيدة، ينتابنا آلاف الأفكار المضحكة ونبتسم رغم أن علينا أن نظهر الحزن ونتحرك يمنة وشمالا رغم أن علينا أن نقف ثابتين، ربما هو التمرد المتأصل فينا حين يفرض علينا أمر ما وما إن تنتهي تلك الدقيقة حتى نتنفس الصعداء ونجلس كما لو كنا قد وقفنا لساعات طويلة …

لماذا نقف تلك الدقيقة ياترى؟؟؟؟ ربما هو احترام للفقدان أو تكريما للتضحية، يقولون بأن دقيقة الصمت هي تقليد فرنسي فهي أول بلد أقرها في عام 1919 وربما كانت تلك الدقيقة ترمز إلى توقف الحياة في حياة أحدهم حين وقف صامتا بلا أي عمل يقوم به مثل أولئك الذين أوقفوا حياتهم لأجلنا بالموت …

لقد فهمنا قصة تلك الدقيقة ومن أقرها سببها ولكن لماذا لا نقف دقيقة صمت في باقي الأوقات؟؟؟؟ هل علينا أن نتحدث دائما؟؟؟ وما الذي قد يتغير في تلك الدقيقة؟؟؟؟

لماذا علينا أن نحترف الصمت أو أن نثرثر دائما أليس هناك حلول وسطى بين الثرثرة والصمت؟؟؟؟

في الحقيقة لم يعلمنا أحد أن هناك منطقة وسطى بين الصمت والثرثرة، ولم يخبرنا أحد أن دقيقة الصمت تلك أهم بكثير من ساعات طويلة من الصراخ والعتاب والندم لأنها حقا تغير كل شيء،

نقف تلك الدقيقة مرغمين لأن علينا أن نكبح جماح ثرثرتنا ولهاثنا وراء الحياة، كم مرة ندمنا على أمور فعلناها لأننا لم نقف دقيقة ولم نصمت لدقيقة، كم من القلوب التي جرحناها لأننا لم نصمت لدقيقة قبل أن نتحدث، دقيقة واحدة قبل أي عمل أو فعل أو قرار أو اختيار أو فكرة كانت كفيلة بأن تغير الكثير من أحداث حياتنا ومن معاركنا ومن النتائج التي حصدناها والخسائر التي جنيناها، دقيقة نستجمع بها قوانا ووعينا وأحلامنا وأخلاقنا وذكرياتنا وتجاربنا كفيلة بأن تجعلنا أعمق فكريا وأنجح اجتماعيا، هل هذا كل شيء؟؟؟

لا هناك المزيد لو كنا توقفنا دقيقة صمت قبل أن نرد الإساءة بالإساءة والغضب بالغضب والكره بالكره والشتائم بالشتائم وغيرها لم نكن لنخسر أحد..

هل يعقل أن دقيقة واحدة تملك أثرا عميقا إلى هذه الدرجة؟؟؟؟

تلك الدقيقة هي ما يسمى بالتروي، التروي في كل شيء وهي ما يتميز به الشخصيات الناضجة عن غيرها، نصل إلى إدراك أهميتها بعدما تعثرنا وأخطأنا وفشلنا وخسرنا …

إذا تلك الدقيقة الصامتة كان عليهم أن يقروها في مناهج التدريس لنصبح أشخاصا أكثر حكمة واتزانا وكان عليهم أن يجعلها من أساسيات التربية الصحيحة…

نصمت ليس لأننا لا نملك ما نقول بل لأننا نفكر قبل أن نتحدث وقبل أن نغضب وقبل أن نقرر، تلك اللحظة قادرة على قلب تاريخنا رأسا على عقب وتغيير حياتنا أيضا…

إذا لم تكن تلك الدقيقة فقط للحزن على النهايات بل كانت لأجل البدايات الصحيحة….

من rana

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *