أ.طارق سليمان
إن المجتمعات الإنسانية لا تخلو من التآلف بين أفرادها وأقوامها مختلفي الطباع ومتضادي الأفكار ولكنهم متحدو التوجهات. لذا تكاد المجتمعات لا تخلو من التنافر والتناحر بين أفرادها بسبب اختلاف المنافع والأهداف. ولا تعيش الأقوام معا برهة من الدهر إلا ونشب بينها الخلاف.. الذي يتحول إلى صراع قد ينتهي إلى حروب طاحنة.. تؤدي إلى فوز أقوام وهزيمة أخرى..
فالاختلافات والخلافات والحروب لا مناص منها في المجتمعات الإنسانية.. وخير دليل على ذلك ما نشاهده من استعداد الإنسان العادي باكتساب مهارات الدفاع عن النفس ورياضة الشدة والقوة.. بالإضافة إلى ما يلهث خلفه الإنسان السوي من وعي وعلم ليغذي عقله بالمعرفة والخبرات..
وقد جاء في محكم التنزيل: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل..»
لذا كان من الواجب الفطري على أي مجتمع أن يتجهز دائما بإعداد ما استطاع من قوة ومن رباط الخيل.. والاستطاعة هنا هي مبدأ أول.. وتنكير (نكرة) القوة في الآية الكريمة تعني أي قوة مناسبة كمبدأ ثانِ
وإذا كان رباط الخيل هو القوة في أيام النبوة الأولى.. فهذا لا يعني أنها لم تعد كذلك في عصرنا الحالي..
فلكل عصر قوته.. وقوة هذا العصر هي العلم والتكنولوجيا الحديثة وعلوم الحواسيب والبرمجيات ..
هذا هو عصر العلم والمعلومات الرقمية التي دخلت في كل تفاصيل المجتمع وحياة الفرد أيضًا. بل أصبحت الهواتف المحمولة هي أداه للمعرفة والتواصل.. في يد الجميع صغارا وكبارا.. في المدن والقرى في الصحارى والحضر.. في الأقطاب الجليدية وأصقاعها.. وفي الفيافي الحارة وربوعها ..
واحتفظ البشر بهواتفهم وأدوات اتصالهم بالقرب منهم ليل نهار . لدرجة أن البعض حوّلها لأداة لقتلهم أو الظفر بهم وأصابتهم بدلا من أدوات القتل التقليدية مثل المسدس أو البندقية ..
لا يمكن أن تبقى اليد السفلى تقبل بالفتاتات التي تلقى إليها.. فلن يتركك عدوك سالمًا بل سيضع لك السم في هذا الفتات ..
وإذا أرادت هذه الأمة أن تجد لها مكانا بين الأمم يحفظ لها كرامتها عليها أن تجدّ وتجتهد في المختبرات ومعاهد العلم مثل اجتهادها في دور العبادة. حتى تستطيع أن تصون كرامتها وكرامة الأفراد فيها.. وأن لا تلتفت عن كل ما يصرفها عن هذا الطريق من دعاوى الضعف والتخاذل.. لقد انتهت عصور الجاسوسية القديمة مع السماوات المفتوحة .. وأصبحت الخيانة الحقيقية هي صرف الشعوب عن العلم والفهم والتقدم..