الإعلام العربي
كان الإعلام وما زال وسيلة التواصل الأكثر شيوعا عند الإنسان الذي عرف الإعلام منذ بدء الخليقة ليكون صلة وصل بين بني البشر وأول عِلم على وجه الأرض ومع تطور حياة الإنسان تطور الإعلام وتطورت وسائله بل أصبح المحرك الأساس للرأي العام والمرآة العاكسة للأحداث وبات حاجة ملحة لا يمكن العيش دونها…
بدأ التواصل بين البشر من خلال الرسم على جدران الكهوف والمعابد قبل اختراع الكتابة ومضى في رحلة طويلة ووسائل متعددة هدفها إيصال الخبر للجمهور المستهدف وقد كانت جدران الكعبة مكانا لنشر المعلقات الشعرية لعباقرة الشعر وأئمتهم فما عكاظ وذو المجاز ومجنة…. إلا أسواقا ثقافية ومنتديات أدبية لمن أراد أن يعرض نتاجه الأدبي والفكري والثقافي والتي من خلالها ذاع صيت الشعراء بين العرب وعُرفت أجمل قصائدهم. وكانت جدران الكعبة أيضًا مكانًا تعلق فيه الأخبار السياسية والمعاهدات بين القبائل أي أنها كانت تشكل قناة إخبارية تنقل الحقيقة دون أي زيادة أو نقصان…
وقد كانت الصحافة غائبة عن الدولة واللغة العربية بين عامي 1831 إلى 1880 حين قام رزق الله حسون الحلبي بإنشاء ” مرآة الأحوال ” أول صحيفة عربية في إستنبول في عام 1855 وصحيفة ” السلطنة” عام 1857. في حين كانت روما عاصمة الثقافة والعلوم في القرن السابع عشر الميلادي وكانت الطائفة المارونية في سوريا (لبنان الآن) مقرّبة من الفاتيكان لذا كانت ترسل أبناءها إلى روما بهدف التعلم ومن هناك كان دخول أول مطبعة بحروف سيريانية إلى الوطن العربي عام 1610 ثم أصبحت بحروف عربية بهدف تعليم الطائفة المارونية في حين كانت السلطنة تحرّم طباعة الحرف العربي في آلات الطباعة خوفًا منها على القرآن من التحريف…
وبوجود العلم والمطبعة والصراعات والمشاكل والطوائف اكتملت منظومة الصحافة في لبنان ما أدى إلى ظهور أول صحيفة عربية حرة عام 1858 حيث أنشأ خليل خوري” حديقة الأخبار ” التي كان لها مراسلين ومكاتب في معظم العواصم وانتشرت انتشارا واسعا رغم صعوبة التواصل والمواصلات في ذلك العصر تبعتها صحيفة “نفير سوريا” عام 1860على يد بطرس البستاني التي كانت تدعو إلى رفض الطائفية وفصل السياسة عن الرياسة و توجهت للقراء بنداء: يا أبناء الوطن و وُقّعت بـ “من محب للوطن “ثم صحيفة الجنائن 1871في عصر لم تكن تملك البلاد فيه سوى مكتبات المساجد إلى أن أعيد فتح المكتبة الظاهرية ( الوطنية ) في دمشق والشرقية في بيروت. إلا إن هناك بعض المصادر تؤكد بأن انطلاقة الإعلام العربي كانت من العراق حيث أمر الوالي داوود باشا بإصدار أول صحيفة عربية باسم ” بغداد جرنال باشا “في العراق عام 1716 ثم تبعتها الجزائر عام 1848 ثم لبنان…… و في عام 1865 أصدر والي حلب جريدة رسمية باللغات التركية والعربية والأرمنية باسم “سورية “في حين جاء إصدار “غدير الفرات” في حلب أيضا عام 1867 و كان رئيس تحريرها الفيلسوف والحقوقي عبد الرحمن الكواكبي. دامت غدير الفرات 20 عامًا ثم صدر بديلا عنها باسم صحيفة ” حلب” وفي عام 1877 أنشأ الكواكبي صحيفة غير حكومية باسم “الشهباء” التي نددت بالاستبداد ونادت بالتخلص من السلطنة فما كان من والي حلب كامل باشا إلا أمر بتعطيلها وحجز مطبعتها من قِبل الوالي فلم يعدم الكواكبي حيلة بل قام بإنشاء صحيفة “الاعتدال” الأسبوعية لكن سرعان ما أغلقتها السلطنة بحجة تهديد أمن الدولة في عام 1878 ولم يثنه هذا عن عزمه بل سافر إلى مصر وأسس مع هشام العطار أول جريدة سماها “الشهباء ” لكنها أغلقت من قبل السلطنة بعد 15 شهرًا ولم تكتف السلطنة بذلك بل قضت على الكواكبي مسمومًا عام 1902 وفي عصر حاربت به السلطنة العثمانية كل صحيفة نددت بوجودها في الوطن العربي ظهرت مجلات وصحف عديدة و متنوعة بين علمية وثقافية وفنية وهزلية فكانت “المقتطف “علمية عربية ليعقوب صرّوف اللبناني ثم البشير والبيرق والاتحاد العثماني والإصلاح لأحمد طبارة وتجدر الإشارة هنا بأن أول من استخدم كلمة جريدة هو الشيخ إبراهيم اليازجي.
وفي مصر أصدر محمد علي باشا جريدة الوقائع المصرية باللغة التركية والعربية في عام 1828والتي كانت توزع على ضباط الجيش وطلاب البعثات ثم أُصدرت جريدة الأهرام الأسبوعية عام 1876على يد السوريَين (لبنانيين) سليم وبشارة تقلا وكانت عبارة عن أربع صفحات خالية من التبويب.
وقد لعبت الصحافة العربية دورا مهما في مقاومة الاستبداد وسياسة السلطنة العثمانية وساعدت على بزوغ النهضة وأثرت على انطلاق الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي بالرغم من كل الرقابة المفروضة على الصحف حينها حيث تولت صحيفتي “القبس والأيام” المقاومة والمطالبة بالاستقلال من الاحتلال الفرنسي وكانت النتيجة مصادرتهما وتعرضهما لخسائر فادحة وما إن حصلت سوريا على الاستقلال حتى انطلقت الصحافة وازدهرت حيث وصل عدد الصحف في حلب ودمشق إلى 45 صحيفة كما قامت الجامعة العربية أيضا بإصدارات على شكل صحف… وباختراع المذياع توجه الإعلام إليه فكان المنافس الأول للصحف الذي لبى حاجة جمهور ينتمي معظمه إلى الأمية فظهرت في عام 1934 إذاعة القاهرة التي بدأها أحمد سالم بقول: “هنا القاهرة” ثم تلتها إذاعة دمشق عام 1947 و التي تميزت باهتمامها الفائق باللغة العربية وكان الأمير يحيى الشهابي أول من قال:” هنا دمشق” بعد ذلك قامت الوحدة بين سوريا ومصر فاتحدت إذاعة دمشق مع إذاعة القاهرة عام 1958 كما ذاع صيت إذاعة ” صوت العرب التي تأسست عام 1953والتي أعانت عبد الناصر على ترسيخ مفهوم القومية العربية… بعدها انتقل الإعلام العربي إلى إعلام مرئي و كانت الريادة للتلفزيون العراقي في عام 1956والذي بدأ في بغداد ثم شمل المحافظات العراقية وقد اختيرعدنان النعيمي مديرًا لأول قناة عراقية تبعه التلفزيون السوري عام 1959 والذي رئسه صباح قباني ثم التلفزيون المصري عام 1960و كانت ساعات البث في البداية قليلة وقوّتها ضعيفة وقد واكب التلفزيون بعد ذلك أهم الأحداث التاريخية كحرب تشرين عام 1973 والعبور وتحرير القنيطرة السورية واحتلال مرتفعات الجولان وشارك في الحرب النفسية ضد العدو وسلط الضوء على الانتفاضة وجعل من محمد الدرة رمزًا من رموز المقاومة وجعل من أحداث غزة خنجرًا يدق أكبادنا جميعًا موثقًا ومؤرخًا لكل الأحداث. و من هنا طرحت مفاهيم جديدة من خلال الإعلام قامت بتغيير المفاهيم الفكرية والاجتماعية عند الشعوب العربية وساعدت على انتشار الطرب وقصص الكتاب عبر مايكرفون الإذاعة وشاشات التلفزة وخلقت عادات جديدة لدى الأسرة العربية… ثم دخل التلفزيون عصر الفضائيات فأصبح أكثر شمولا وأكبر خارطة وتخلى عن محليته إلى عالمية تستقطب أخبار الكرة الأرضية والفضاء أحيانا و تنقلها من مكان الحدث ووصلت بعض القنوات العربية إلى العالمية و بُثت بلغات عديدة كقناة الجزيرة التي تشهد اليوم أكبر عدد من المتابعين وأكبر مساحة إعلامية في العالم العربي فلم يعد المواطن العربي أسير قناة واحدة تبث له ما تريد من أفكار… و في عام 1995 دخل الإعلام مجال الصحافة الإلكترونية وكانت جريدة الشرق الأوسط أول صحيفة إلكترونية تبعتها صحيفة الحياة ليغزو الإعلام حياتنا غزوًا كاسحًا وبعد الثورة التكنلوجية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي في بداية القرن الحادي والعشرين أصبح الإعلام أكثر انتشارًا حيث حولت شبكة المعلومات ( الانترنت) العالم إلى قرية صغيرة وبات من المحال إخفاء أمر في عالم أضحى يموج في محيط من المصالح و ظهر المواطن الصحفي فالكل يصور وينشر على موقعه ويناقش دون دراية بل قد يصل الأمر في البعض إلى السفه كما ظهرت شخصية المحلل السياسي الذي يبدي رأيه بما يجري من أحداث…بالإضافة إلى سرقة المعلومات والقرصنة الإلكترونية وفي الوقت ذاته كشفت الصحافة الإلكترونية ووسائل التواصل النقاب عن الأنظمة المستبدة وساعدت على دعم الثورات العربية من خلال نشر أخبارها وجسدت مفهوم الحرية وأقنعت الشعوب العربية بأن الرفض والتمرد والحرية ليست ضربًا من المستحيل. وبالرغم من الثورة الإلكترونية إلا أن الصحافة الورقية ما تزال حاضرة بل وتحتل مساحة جيدة بين القراء والمتابعين في أكثر دول العالم تقدما تكنلوجيا كالقارة الأمريكية …
وقد أضحى الإعلام عصب الحياة ومحورها ومحركها وهنا يحضرني القول: ” ليس المهم عدالة القضية ولكن الأهم هو كيفية الترويج لها” من هنا جاءت أهمية الإعلام و أبواقه بنجاح قضية ما أو فشلها كالانتخابات مثلا أو الترويج لسلعة معينة فكرية أو مادية وإلزام الشعوب بالإعلام المحلي الذي يسبّح بحمد حاكم الدولة كما جرى في عهد الأسد الأب حيث حجّم الإعلام السوري العالم بـ ( استقبل ، ودع، افتتح، أنجز، …. السيد الرئيس) ما أثر سلبًا دون أدنى شك على ثقافة المواطن السوري واتساع أفقه. بالإضافة إلى عدم المصداقية والنزاهة وبالرغم من كل هذا يبقى الإعلام أهم وسيلة يتعامل بها البشر.. إلا أن الإعلام العربي ما يزال قاصرًا يحتل دور المدافع المعتذر لا المهاجم المحترف في حين يؤمن الغرب بأن الإعلام كالدبلوماسية وجهان لعملة واحدة هي السياسة الخارجية في المجتمعين الدولي والإقليمي بينما نحن ما نزال نراوح في محلية قاتلة بالرغم من وجود كفاءات شابة متعلمة مدربة… إلا أن الأنظمة العربية حجمت العقول ضمن أعمال سيادة الرئيس/ جلالة الملك.. و من الجلي والبيّن أن السياسة أخضعت الإعلام والاقتصاد إلى مصالحها في زمن لا يوجد فيه إعلام حر بسبب لقمة العيش فلابد لقلم الصحفي أن يكتب لصالح القناة أو الجهة التي يعمل بها والتي بالتالي تنتمي إلى جهة اقتصادية أو سياسية معينة وهذا يؤثر على الأيدلوجية الاجتماعية في بث أفكار يريدها الإعلام لمجتمع ما والواضح للعيان بأن حتى الخبر الذي يأتي به المراسل من موقع الحدث يُشك في صحته لأنه ينقل الأحداث حسب آرائه و انتماءاته الشخصية أو حسب سياسة القناة وهذا ما لمسناه بوضوح خلال نقل أخبار الثورة السورية ضد نظام الأسد (أخبار النظام والمعارضة) حيث لا يوجد صحفي حر أو موضوعي فهو إما خاضع إلى مورد الرزق أو خاضع لأفكاره وإنتمائه كحال مجلتنا مثلًا؛ فنحن ننتمي لفكر وانتماء وأقلامنا ليست رهينة لولي النِعَم…
إذًا نحن في عصر أصبح فيه الإعلام زادنا وزوّادنا وما يزال قول شوقي خير مثال لهذا الزمان كل زمان: لكل زمان آية ****وآية هذا الزمان الصحف.
وفي عصرنا هذا أصبح الإعلام رهين المصالح وأضحى الاقتصاد والإعلام معًا مستعبدّين للسياسة أيّما استعباد… ونحن كشعوب عربية نباتُ ونصحو آملين أن يقوم الإعلام العربي بزرع الفضائل وأن يبتعد عن السفه والترويج لكل ما هو منافٍ لقيمنا وأن يهدف إلى تحقيق مصالحنا القائمة على الروابط التاريخية المشتركة وأن يلبي بعضًا من أمنياتنا في العدل ورفع الظلم.. فالتحية كل التحية للأقلام النزيهة.

من admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *