الشطرنج هدية العرب إلى العالم
أ. صالح أبازيد
حكم دولي للعبة الشطرنج

الشطرنج؛ ذلك الإبداع الرائع الذي جاء من الشرق ونقله العرب من الهند (موطنه الأصلي) عن طريق بلاد فارس إلى أوروبا ومنها إلى كل أنحاء العالم…
تقول الحكاية؛ إن حكماء الهند القديمة الذين كانوا ضد العنف والحروب قد وجدوا في ابتداع الشطرنج طريقة لتخفيف النزعة العدوانية لدى البشر، وقاموا بتحويلها إلى صراع فكري عن طريق رقعة الشطرنج بواسطة قطع تقتل بعضها وتصول وتجول كما لو كانت في معركة حقيقية دون أن تخلف ضحايا.
مارس هذه اللعبة رجال فكر وعلم وسياسة وزعماء دول وقادة جيوش فهي معركة دون سلاح وهي لعبة الفكر النبيل والمتعة والسرور حيث لا مكان للخصام بين ممارسيها لدرجة أن الطرف الآخر في كل العاب العالم يسمى خصم عدا الشطرنج يسمى رسيل.
وتعتبر لعبة الشطرنج قوة ناعمة تهتم بها الدول لإظهار مقدرتها الفكرية وقد كان الإتحاد السوفييتي السابق أكثر الدول سيطرة وتألقًا في البطولات الشطرنجية..
واستمر هذا التميز خلال الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي إلى عام ١٩٧٢ عندما تمكن البطل الأمريكي “فيشر” من هزيمة السوفيتي سباسكي والفوز ببطولة العالم وكسر احتكار الروس لهذه البطولة لسنوات طويلة..

وقد شغف بها المفكرون وتغنى بها الشعراء العرب كونها لعبة الدماغ والرقي..
يقول الشاعر علي بن الجهم:
أَرضٌ مُرَبَّعَةٌ حَمراءُ مِن أَدَمِ*****ما بَينَ إِلفَينِ مَعروفَينِ بِالكَرَمِ
تَذاكَرا الحَربَ فَاِحتالا لَها فِطَناً** مِن غَيرِ أَن يَأثَما فيها بِسَفكِ دَمِ
هذا يُغيرُ عَلى هذا وَذاكَ عَلى*** هذا وَعَينُ حَليفِ الحَزمِ لَم تَنَمِ
فَاِنظُر إِلى بُهَمٍ جاشَت بِمَعرَكَةٍ*** في عَسكَرَينِ بِلا طَبلٍ وَلا عَلَمِ
أما الخليفة المعتز فقد عبر عن رأيه في لعبة الشطرنج بقوله:
يا عائب الشطرنج من جهله … وليس في الشطرنج من باس
في فهمها علم وفي لعبها … شغل عن الغيبة والناس
وتذهل العاشق عن عشقه … وصاحب الكاس عن الكاس
وصاحب الحرب بتدبيرها … يزداد في الشدّة والباس
وأهلها في حسن آدابهم … من خير أصحاب وجلاس
أما محمد المزني فقد اعتبره أدبًا وخلقًا رفيعًا بقوله: إذا سلمت أيديهما من الضرب والخسران وألسنتهما من الفحش والعدوان، وصلاتهما من السهو والنسيان كانت أدبا بين الإخوان والخلان…
ورغم كل هذه الأهمية ورغم اكتشاف العرب للعبة الدماغ والمبارزة الراقية وغير الدموية ورغم صراع الدول العظمى على الفوز بالمركز الأول لا يزال الشطرنج العربي غير قادر على المنافسة عالمياً.
ومع ذلك فقد حصل سعيد أحمد سعيد من الإمارات على لقب بطل العالم للصغار في سبعينات القرن الماضي وحصل باسم أمين وأحمد عدلي من مصر على بطولة شباب العالم الفردية أما في منافسات الرجال والنساء والأولمبياد وهي الأهم فلم نستطع حتى الآن دخول منافسة أو إحراز لقب فيها…
لذا؛ لا بد من الاهتمام الرسمي بلعبة الفكر وإدخالها إلى المدارس ودعم الأبطال والبطلات وتكريمهم وتخصيص مدربين أكفاء لهم وقاعات خاصة مناسبة لممارسة هذه اللعبة كي نتمكن من المنافسة قارياً وعالمياً..
وبما أنها لعبة تحاكي الدماغ فلا بد من التعلم والتدرب على خوض المعارك الشطرنجية ولا يفوتني هنا أن أذكّر بأن عشرات ألوف الكتب تصدر في مختلف أنحاء العالم تتعلق بالشطرنج وبلغات مختلفة كما تصدر مئات المجلات المتخصصة في مجال الشطرنج وبرامج تلفزيونية فضائية وبرامج الكمبيوتر والانترنت وهذه اللعبة تعلم الصبر والهدوء ودقة الحساب والتفكير وعدم استعجال الفوز وتطغى بذلك على العديد من ألعاب الحظ غير المفيدة والتي تؤدي إلى خلافات بين ممارسيها بينما الشطرنج يؤلف بين اللاعبين لهذا لقي عالميًّا هذا الكم من الاهتمام الذي ساعده على الانتشار..
وأصبحت الدول تتنافس للحصول على البطولات المختلفة في كل الفئات (رجال وسيدات وشباب وأشبال وناشئين) وبطولات فرقية للرجال والنساء حيث يقام لها أولمبياد خاص كل سنتين مرة.

من admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *