أ.رنا جابي
لقد كافأ الله عباده بالعيد ليكون لهم فرحة بعد مشقة وتعب….
ولكن هل مظاهر العيد واحدة في كل الثقافات؟
تختلف الشعوب في تعبيرها عن فرحة العيد وهذا الاختلاف يعود إلى العادات الموروثة والتراث المنقول عن الأجداد..
ففي جزر القمر مثلًا يحتفل الناس بالمصارعة الحرة التي تستمر طوال العيد أما في موزمبيق فهناك سباق المصافحة حيث يعتقد أهلها أن من يبدأ بمصافحة الآخر هو الفائز بخير العيد في حين تقام حلقات الذكر والمدائح النبوية في الصومال وإطلاق النار وأكل البن المقلي بزيت السمسم وتتشابه العادات في تركيا إلى حد كبير باحتفالات العيد في الوطن العربي…
ففي اليمن يحتفل اليمنيون بجمع الحطب وحرقه حزنًا على رحيل الشهر الكريم واحتفالا بالعيد وفي السعودية يأكلون المعمول والتمر بأنواعه ويشربون القهوة السعودية اللذيذة وفي الكويت يتناولون اللقيمات والحلاوة مع الشوكولا…
أما في السودان فيقوم الناس بزيارة كبار السن والمرضى وتحتفل مصر بعمل الكحك (الكعك) وأكل الفسيخ (السمك المملح) والرنكة (السمك المدخن) بعد أن امتنعوا عن تناول السمك طوال الشهر الكريم في حين يفطر العراقيون في أول أيام العيد الكاهي والقيمر والجاي (الفطائر الهشة والقشطة والشاي) ويقومون بعمل الكليجة ويدأب الأردنيون على عمل معمول العيد والمنسف وفي فلسطين الجريحة يحتفل المسلمون بعمل الكعك الفلاحي ويرددون أهازيج خاصة بالمناسبة وفي المغرب العربي يهتمون بارتداء الملابس الشعبية إلى جانب الحلوى الخاصة بكل بلد منهم كما أن أيدي النساء وأقدامهن تتزين بالحناء في الكثير من البلاد العربية والإسلامية…
وفي سورية تمتلئ البيوت والشوارع في الأيام الأخيرة من رمضان برائحة الكعك والحلويات وتكتظ الأسواق بالناس استعدادا لاستقبال العيد ويستعد الرجال في الصباح للذهاب لصلاة العيد مرتدين أثوابا بيضاء وينتشرون في شوارع المدينة كالملائكة …
وينام الأطفال ليلة العيد والشغف والشوق يملأ القلوب والفرح يبرق في المآقي وهم يعدون الساعات والدقائق لقدوم اليوم الأول لارتداء الملابس الجديدة وزيارة الأقارب تلك الزيارات التي كانت تبدأ ببيت الكبار من أهل الوالدين وكنا نعود مساء فرحين وجيوبنا مليئة بضيافة العيد (شوكولا، راحة، هريسة اللوز، ملبس…) وخلال الزيارات كان والدايّ يدعوان الأقارب لزيارة بيتنا وما ن يأتي الموعد حتى يتزين البيت وحديقته بالأقارب الذين كانوا يملؤون بيتنا بالفرحة والضحكات والحكايات الجميلة إلى أن كبرتُ قليلا وأصبحت الدموع شريكا دائما لأول أيام العيد بسبب زيارة قبر والدي -رحمه الله- الذي غادرنا مبكرا ومع ذلك كنا نعود من زيارته لنحتفي بالعيد مع الأقارب …
ثم كبرت أكثر ورحلت عن البلاد حاملة في وجداني ثقافة السوريين وفي حقائبي بعض الذكريات…
وفي بلاد الاغتراب أصبح العيد غربة ووحدة وحسرة على بعد الأهل والأصدقاء في بلاد لا طقوس للعيد فيها إلى أن أصبحت أمًّا لتصبح ابتسامة أولادي هي العيد بالنسبة لي وأصبح شغلي الشاغل أن أعيش العيد معهم وكنت أنغمس بشراء ملابسهم الجديدة وتحضير الحلويات والحديث معهم عن أهمية الفرح في العيد لأنه هدية الرحمن لعباده المطيعين وكنت أضع لهم الهدايا تحت وسادتهم وأقنعهم بأن العيد أحضرها لهم محاولة مني بزرع حب رمضان والعيد في نفوسهم في بلاد بعيدة كل البعد عن أعياد المسلمين وثقافتهم… كان اقناعهم بفكرة العيد أسهل الف مرة من اقناعهم بالصيام فالصوم حرمان وجوع أمام مجتمع كله مفطر والعيد رغد وهدايا…
أما اليوم وقد مرت سورية بحرب طاحنة أتت على كل مظاهر الفرح فيها وتركت خلفها الكثير من اليتامى والأيامى والثكالى أصبح العيد هو التخفيف عن المكلومين بكلمة طيبة وفرحة خجولة ومساعدات عينية لنزرع الأمل وبعض الفرح في قلوبهم المتعبة ولنتفاءل معًا بأن الغد أجمل وأن الظلمة انجلت ولابد أن ينبق الفجر باستقرار وحياة تليق بالسوريين…
وكل عام وأنتم فرحة العيد وبهاؤه
كل عام وأنتم الخير كله.