أ.رنا جابي

يقضي الإنسان معظم ساعات يومه وأهم سنوات عمره في المدرسة وبين جدرانها تبنى شخصيته ويمتلأ عقله بما هو مفيد وروحه بما هو سامٍ.

وإن لم تكن هذه المدارس بيوتًا يملؤها الحب تتحول إلى سجن يحكمه سجانون متخصصون وكنت قد سمعت عبارة على لسان سوري “لم أحب مكانا لا يحبني؟” فالكل يحمل في ملفات الذاكرة ملامح المدير العابس وعصاه المسلطة على أجسادهم كالجلاد ونزق المعلم وقسوته وتنمره وكآبة الجدران وشح الوسائل وعدم احترام الدماغ البشري بالإضافة للتمجيد بالقائد الخالد والحزب العملاق في حين يجب أن تكون المدرسة واحة يجد فيها المرء ضالته ويفخر بانتمائه لها…

فمن المسؤول؟ ألا تقع المسؤولية على الدولة ومنهجها الذي أهدر كرامة المعلم وأضاع هيبته وعمل على إلغاء منزلته الاجتماعية ووظف أناس دون النظر إلى كفاءاتهم وشيد مبانٍ مهترئة مهلهلة غير مؤهلة؟

ولعل خير مثال على ذلك مدرسة خالد هوى التي تقع في ناحية حريتان التابعة لمدينة حلب التي كانت تبعد عن نادي الفروسية مسافة لا تتجاوز البضع مترات وكان الطريق بينهما ترابًا صيفا ووحلًا وطينًا شتاء وعندما تقدم المدير بطلب مفاده تعبيد المترات القليلة الفاصلة بين النادي والمدرسة كان الرد كالتالي:

– مدير الناحية: هذه مسؤولية مديرية التربية.

– مديرية التربية: هذه مسؤولية نادي الفروسية.

وبقي الحال على ما هو عليه إلى أن هاجرت خارج البلاد… فتخيل يا رعاك الله أن تكون الخيول أفضل حالا منك ومن طلابك فقط لأنها من هوايات باسل الأسد!

بالإضافة إلى أن المدرسة لا يوجد فيها مخبر للعلوم ولا وسائل تعليمية والمضحك المبكي أنها تفتقد إلى الحمّامات والسور أيضا..

 وبسبب الفساد والإهمال انقسم المعلمون السوريون إلى:

 – حزبي “باشا” يأمر وينهي ويعمل في المدرسة القريبة من سكنه أو لا يعمل ويتقاضى راتبه الشهري وهو في المنزل.

– لا مبالي؛ نسي ضميره المهني وآمن بمقولة: “العمل على قدر الراتب”

– مطحون يعمل بضمير ويؤمن بأن التعليم شرف والطلاب أمانة ويثبت لنفسه أنه على قدر كاف من المسؤولية، ولكن لا يوجد جهة تقدر جهوده …

عداك عن المناهج الخالية من الفائدة والقيم بالإضافة إلى مادة التربية الدينية التي لا تحسب ضمن المجموع العام في الثانوية العامة رغم وجودها في جدول الاختبارات وهدر مجهود الطالب كله مقابل الاختبار النهائي الذي يحدد مستقبل أمة كاملة بعد أن يعيش الطالب وأهله وأقاربه وجيرانه في حالة توتر غير مسبوق قبل وخلال أيام الامتحان في حين طالب آخر تُهدى له أسئلة الامتحان مسبقا أو تُقدم له الإجابات على طبق من ذهب على مرأى من الطلاب؛ فأي عدل هذا؟! 

وعندما جاءت الحرب أكملت على ما تبقى من المدارس حيث طالتها القذائف والبراميل وبعضها الآخر حُوّل إلى ملاجئ …

والآن؛ وبعد زوال حكم العصابة كيف سيكون حال المدارس التي ستبني مستقبل سورية الحرة؟

كي نصل إلى سورية تليق بنا يجب أن نعمل على:

– إعداد مناهج يكتبها متخصصون متميزون تبتعد عن الإغراق بالمحلية وتتناول موضوعات عالمية مثل (البيئة، التلوث، الصحة والغذاء، الجوع، التعليم، مساعدة المحتاج، التعاون، الأمانة، حب العمل…) والتركيز على الجانب الأخلاقي في سير الصحابة والتابعين والخلفاء وإلقاء الضوء على إنجازات العلماء والعمل على إبراز الشخصيات النسائية التاريخية والمعاصرة لزرع الثقة بالنفس عند الفتيات ولتصل المناهج بالأدمغة السورية إلى العالمية مراعية مواصفات البكالوريا الدولية فتنتج طالبًا (مفكرًا، متسائلا، مهتما بالآخرين، مجادفا، متأملا، متفتح الذهن، متوازن، متواصل، ذو مبدأ، مطلع)

– يكون التعليم قائما على العصف الذهني والتعرف على المشكلة وإيجاد الحلول لها بعيدًا عن التلقين.

– تأهيل المعلمين ومديري المدارس تأهيلا يليق بالطالب السوري وبمستقبل سورية المنتظر.

– رفع مرتبات المعلمين والتعامل معهم ومع الطلاب على أنهم ثروة قومية..

 ففي الحرب العالمية كانت ألمانيا تمنع المعلمين من المشاركة في الحرب، بل وأمرت بحمايتهم بكل السبل وكانت تقول: لو انتصرت البلاد سنحتاجهم لفتح العالم وإن خسرت سنحتاجهم لإعادة بناء البلاد، وفي اليابان رواتب المعلمين أعلى مرتبات في الدولة ما يضمن المكانة الاجتماعية المرموقة والراحة النفسية المطلوبة للقيام بالعمل على أكمل وجه…

– تأهيل المباني تأهيلا مشرفا وإنشاء مكتبات مدرسية وإدراج حصة المكتبة في الجدول الأسبوعي ووجود غرفة للتكنولوجيا ومعلم مختص يعلم الطلاب فنون الحاسوب ومخبر للعلوم معد بكل بما يتناسب مع المستوى التعليمي في كل مرحلة..

– وجود ممرضة تهتم بالحالة الصحية للطلاب وحالات الطوارئ ومختص اجتماعي يهتم بالحالات النفسية وصعوبات التعلم التي لا تحتاج إلى طبيب مختص…

– التركيز على الأنشطة المدرسية التي تحارب الآفات الاجتماعية وتمجد المحبة.

– فرض تعلم لغة أجنبية أو أكثر بداية من التمهيدي وإلى الثاني عشر للنهوض بالأدمغة وضمان مستقبل زاهر وميسر. 

– إلغاء اختبار الثانوية العامة واعتماد مجموع أعمال الطالب في المرحلة الثانوية لتأهيله للدراسة الجامعية.

– إعطاء الطالب فرصة دخول التخصص الجامعي الذي يرغب به في الجامعة التي تتناسب مع مجموعه العام.

– إرسال البعثات العلمية واللغوية وضمان دخول الطلاب في الجامعات العالمية وتبادل الطلاب مع جامعات العالم ووضع سورية على الخارطة الأكاديمية الدولية.

– التشجيع على التعليم المهني والرفع من مستواه الاجتماعي.

وهذا أضعف الإيمان..

فإن صلح التعليم صلحت الأمة فهل في سورية الجديدة رجل رشيد؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *