المرأة بين القلم والدراما
كانت المرأة العربية محطّ أنظار العالم بشخصيتها القوية وفصاحتها وذكائها ودخولها مجالات العمل كزوج رسول الله (ص) خديجة بنت خويلد التاجرة الساحرة بجمالها ونسبها وسمعتها العطرة وعائشة بنت أبي بكر المعلمة الأولى وحفصة بنت عمر حافظة القرآن رضي الله عنهن، أما في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد تبوأت المرأة مكان الصدارة وقد ورد عنه -رضي الله عنه- أنه قال: أصابت امرأة وأخطأ عمر وقد فرض للمرأة الحامل والمرضع مرتبًا شهريًا على دورها في رعاية أبنائها بل وعيّن الشفاء القرشية مسؤولة عن نظام الحسبة فكانت أول وزيرة اقتصاد في الإسلام رغم كل ما كان يتصف به من حزم وحسم وقوة ويد قوية تبطش بالظلم ولا تخاف بالحق لومة لائم لكنه الفاروق الذي أنصف المرأة ووضعها بمكانة تليق بخلافته وتحضره وحضارته التي وصلت أشعة الشمس وهناك الشاعرة المقاتلة وأشجع نساء عصرها خولة بنت الأزور التي كانت تقوم على علاج الجرحى في المعارك ولو غصنا أكثر لوجدنا أسماء نسائية سطعت في سماء التميز والإبداع كالنابغة الحلبية مريم الاسطرلابية التي عملت في مجال الفلك في بلاط سيف الدولة الحمداني التي اخترعت الاسطرلاب المعقد ( آلة فلكية) بالإضافة إلى فاطمة الفهرية المؤسسة لأول جامعة في العالم (جامعة القرويين) في المغرب.
ولم تكن مهملة ومهمشة كما يدعي البعض في المجتمعات العربية والإسلامية بل تبوأت مراتب عُلا في العلم والساسية والثقافة فكانت وزيرة ومستشارة وملكة وكانت مسموعة الرأي وصاحبة قرار وخاصة في المجتمعات البدوية …
وفي عهدنا الحالي هناك الكثير من المبدعات اللّاتي نقشن أسماءهن بماء الذهب في مجال الهندسة كـ”زها حديد” التي وصلت تصماميمها الهندسية إلى العالم وهناك الشاعرة سعاد الصباح وهناك مي زيادة صاحبة أكبر صالون أدبي وغادة السمان ونازك الملائكة وكثيرات لا تتسع الصفحات لذكر أسمائهن..
أما بعد انتشار الدراما تغيرت صورة المرأة التي كنا نفتخر بها تمامًا حيث أصبحنا نرى المرأة إما غانية تتاجر بجمالها وفتنتها وكل دورها إثارة الغرائز وكأن المراة مخلوق كوّن من جسد فقط أو تاجرة مخدرات تقود عصابة وتنحل أمامها كل المبادئ والقيم أو متسلطة مستبدة أو مذلولة مقهورة لكنها سعيدة بهذا الخنوع كأمينة في ثلاثية نجيب محفوظ المهمشة الخاضعة لأسوأ أنواع المعاملة ورغم ذلك مبتسمة وراضية وهناك أفلامًا تعمدت إظهار المرأة العاملة فاشلة أسريًا كفيلم “ونسيت أني امرأة ” الذي ظهرت فيه المرأة العاملة قمة في إهمال بيتها وتربية ابنتها والتعامل مع زوجها بل وتخلت عن أنوثتها ودلالها في بيتها وكان حل المشكلة في القصة ارتباط زوجها بامرأة أخرى جاهلة لا تجيد إلا الطبخ وتدليل الزوج بطريقة مبتذلة غير مدركين بأن هذا الطرح الدرامي يسيء للرجل الذي لم يخلق توازنًا في اختياره الثاني فذهب إلى النقيض عدا عن أن المرأة العاملة في الدراما العربية غالبًا منهكة ووجهها شاحب وحزين ومنكسرة وبائسة يرتسم تحت عينيها الجميلتين هالات داكنة تعبر عن الفقر واليأس والشقاء وخاصة إن كان الأمر متعلقًا بآلة الخياطة لدرجة أن هذه الآلة أصبحت مرتبطة في مجتمعاتنا بصورة الشقاء والذل رغم أن هذه المرأة يجب أن تكون في أبهى صورة رغم فقرها وبساطتها لأنها تعمل في خياطة الأزياء ويجب أن تظهر مبتسمة راضية فخورة بنفسها وعملها لأنها تكفي نفسها وعائلتها شر السؤال والعوز وغالبًا لا يُسلط الضوء على قصة ناجحة وصلت بعزيمتها ومساعدة أولادها إلى مشروع مميز متعمدين طمس الصورة الحقيقة لشرف العمل والفخر بمساعدة الزوج اقتصاديًا وتعمير الأسرة أو كفالة الأولاد عند الأيّم أو الثيّب ..
وقد يقول البعض بأن الدراما صورة عن المجتمع لكني أرى أن الدراما مدرسة تصدّر الصورة التي ترغب لتحسين مفاهيم المجتمع ومبادئه فرغم إن القصة مستوحاة من المجتمع لكنها تبقى فردية بينما عندما تتحول إلى عملٍ دراميٍّ يشاهده 300 مليون عربي علينا ان نقف مليًّا ونختار الروايات بحذر شديد كي لا ندمر ما تبقى من جمال؛ هذا عداك عن أسلحة الدمار الشامل وقصص المسلسلات المستوردة المعربة والسؤال الذي يُطرح هنا: لصالح من كل ما يعرض على شاشاتنا العربية؟!
فالمسلسلات التركية المعربة لا تنتمي إلى مجتمعنا بأي صلة تلك المسلسلات التي تظهر المرأة في أبشع صورة (كيد وحقد وانتقام) وإسفاف لم يسبق له نظير مقابل تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح خلال 90 حلقة يسلبون بها وقت المشاهد العربي تلك الساعات الكفيلة بتغيير الذوق والمفاهيم العربية وخاصة أمام الجيل الجديد الذي لا يملك صورة قديمة ماثلة أمامه ليقارن بين حقيقة المرأة العربية وما يطرح من سموم عبر الشاشات حتى لو كانت نساء عائلته ممن ينتمون إلى الزمن الجميل فتأثير الشاشة ومنصات التواصل الاجتماعي سلبت الألباب ومسحت التفكير بعد أن أصبحت الصورة هي الطريقة الوحيدة لتوصيل الفكرة.
فهل القلم الذي أرّخ لكل الشخصيات المميزة أصبح عاجزًا عقيمًا عن كتابة نصٍ دراميّ يليق بالمرأة العربية أم أن الدراما باتت مأجورة لتدمر ما بقي منّا؟!
هل انقرضت الأقلام التي كتبت “الزبّاء” أم انتهت الأيدي التي صنعت “ضمير أبلة حكمت” ورسمت دور الأم في “التغريبة الفلسطينية” ؟
كلماتي هذه رسالة خجولة وصرخة شراة التي هدت أسوار أعظم مدائن الروم وأرجو أن تكون مسموعة لإعادة صورة المراة العربية إلى مكان يليق بها.