المرأة في الأدب العربي
رنا جابي
احتلت المرأة منذ بدء الخليقة مكان الحبيبة والصديقة والزوجة والابنة وشاطرت الرجل المهام وشكلت معه ثنائية الوجود فبغيابها يختل الكون وبحضورها يكون التوازن، ولا يُنكر التاريخ احترام الرجل وتقديسه لها فالأم هي القديسة وهي رمز للقوة المطلقة بل إن بعض الأمم سموا آلهتهم بأسماء الإناث لما تمثله المرأة من عطاء وخصب وحب، فهي الكيان الذي قد تصطلح من أجله أقوام وتقوم من أجله حروب وما صرخة “شراة” إلا بداية حرب تم فيها فتح عمورية، فقط لأنها صرخت”وامعتصماه” ذاك الفتح الذي حدثنا عنه أبو تمام في قصيدته ( فتح عمورية) ولعل أبلغ شاهد على عظمة المرأة وقوتها لجوء أعظم الرجال وأقواهم إلى زوجته خديجة عندما خاف وارتعش قائلا: زملوني زملوني وأخبرها بأمر ربه فبقيت معه تطمئنه حتى ذهب عنه الروع..
فهل يلجأ الضعيف إلى ضعيف؟!
وقد شهد التاريخ على أنهن وصلن إلى دفة الحكم لتمتعهن بالعلم والشخصية القيادية والرأي السديد و التفكير الراجح فكانت بلقيس وزنوبيا وكليوبترا والأميرة الشاعرة ولادة بنت المستكفي وكانت العالمات والمبدعات…
وبما أن الأدب فن تطور بتطور الزمان والإنسان وهو مرآة المجتمع وثقافته وخلاصة تجربتة وفكره ومقياس رقي الشعوب وأصالتهم وتاريخهم الموثق دون الخضوع إلى سياسة الأقوى نراه قد عكس دور المرأة في مجتمعاتنا من خلال قصائد نظمها آدم بمداد قلمه ومحض إرادته معترفًا بدورها مبهورا بذكائها وإبداعها، فجاء الشعر شاهدًا لا منافس له وقد سجل تاريخ الأدب العربي أسماء لأديبات وشاعرات يشار إليهن بالبنان وتتصدر أعمالهن أمهات الكتب..
وقد كانت المرأة وما تزال مادة لقصائد فطاحل الشعراء من الرجال فهنا حافظ إبراهيم يبدع في تصوير دور المرأة في المجتمع قائلًا:
الأم مـــدرســـة إذا أعــددتــهــا****** أعـددت شـعباً طـيب الأعـراق
الأم أســتــاذ الأســاتـذة الألـــى******شـغـلت مـآثـرهم مــدى الآفاق
وبدوره يبين معروف الرصافي من خلال قصائده دور المرأة في بناء المجتمع ونفي النقص عنها:
يقولون: إنّ النساء نواقص*******ويدلون في ما هم يقولون بالسمع
فأنكرت ما قالوه والعقل شاهدي********* و ما أنا بإنكار ذلك بالبدع
إذا النخلة العيطاء أصبح طلعها***** ضعيفا فليس اللوم في هذا الطلع
و لكنما الجذع الذي هو ثابت******** بمنبت سوء فالنقيصة بالجذع
و يردف قائلا: و أخلاق الوليد تقاس حسنا*** بأخلاق النساء الوالدات
ليشهد صوت النيل حافظ إبراهيم على أهمية تربية النساء قائلًا:
ربوا البنات على الفضيلة إنها******* في الموقفين لهن خير وثاق
وعليكم أن تستبين بناتكم نور******** الهدى وعلى الحياء الباقي
وقد أكد أحمد شوقي على الهدف ذاته قائلًا:
وإذا النساء نشأن في أميّة********* رضع الرجال جهالة وخمولا
وقد شهد التاريخ العربي على عالمات وأديبات و شاعرات أسكتن فطاحل الشعراء نذكر منهن على سبيل المثال لا الحصر:
أم المؤمنين عائشة العالمة والفقيهة وابنة عقيل بن أبي طالب التي أبدعت في رثاء الحسين حفيد الرسول ( ص) وأسماء بنت أبي بكر ( ذات النطاقين) الشاعرة الحاضرة القلب واللب فصيحة اللسان وهناك أخت الحازوق الخارجي التي رثت أخاها قائلة:
أعيني جودا بالدمع على الصدر ** على الفارس المقتول بالجبل الوعر
أقلّبُ عيني في الركاب فلا أرى***** حزاقا فعيني كالحجارة من القطر
و هناك أروى بنت عبد المطلب التي رثت رسول الله صلوات الله عليه:
ألا يَا رَسُولَ اللَّهِ كنت رجاءنا……. وكنت بنا برا ولم تك جافيا
فدى لِرَسُولِ اللَّهِ نفسي وخالتي…… وأمي وعمي قصرة وعياليا
فلو أن رب الناس أبقاك بيننا ……..سعدنا لكن أمره كَانَ ماضيا
عليك من الله السلام تحية……..وأدخلت جنات من العدن راضيا
و بنت بجير القشيري التي قالت في رثاء أبيها:
نهُوضاً حين تعتمد الـرزايا….ذَوي الأفعالِ بالعبءِ الثقيل
فما كعب بكعبٍ إن أقامت……..ولم تثأر بفارِسِها القـتـيل
وجليلة بنت مرة التي رثت زوجها كليب حين قتله أخوها جساس:
فِعلُ جَسَّاسٍ علَى ضنِّي بِهِ ….قاطعٌ ظَهْري ومُدْنٍ أَجَلي
لَو بعَينٍ فُدِيَتْ عَيْني سِوَى ……أختها وانفقأَتْ لَمْ أحْفِلِ
إنَّني قاتلةٌ مَّقتولةٌ ……………….فَلعلَّ اللهَ أن يرتاحَ لِي
يا قتيلاً قوَّضَ الدَّهرُ بِه ……سَقْفَ بَيتَيَّ جميعًا مِنْ عَلِ
ورَماني فَقْدُهُ مِن كَثَبٍ…….رَمْيةَ المُصْمَى بِهِ المُستأصَلِ
هَدَمَ البَيتَ الَّذي اسْتَحْدَثْتُهُ…..وَسَعَى في هَدْمِ بَيْتي الأوَّلِ
مسَّني فَقْدُ كُلَيْبٍ بِلَظًى ……..مِن ورَائي ولَظًى مُّستَقْبِلِي
ثم تأتي شاعرة شعراء عصرها تماضر بنت عمر بن الحارث المضرية الملقبة بـ (الخنساء ) متصدرة أسماء الشاعرات في عصر الجاهلية وصدر الإسلام فكانت أقواهن شخصية وأشعرهن قافية
فاقت بسداد رأيها وقوة شخصيتها فحول الشعر فصاحة وإبداعا وكانت قصائدها في رثاء أخيها صخر علامة من علامات الشعر العربي:
قَذىً بِعَينِكِ أَم بِالعَينِ عُوّارُ…………. أَم ذَرَفَت إِذ خَلَت مِن أَهلِها الدارُ
كَأَنَّ عَيني لِذِكراهُ إِذا خَطَرَت………… فَيضٌ يَسيلُ عَلى الخَدَّينِ مِدرار
تَبكي خُناسٌ فَما تَنفَكُّ ما عَمَرَت………….. لَها عَلَيهِ رَنينٌ وَهيَ مِفتارُ
تَبكي خُناسٌ عَلى صَخرٍ وَحُقَّ لَها……. إِذ رابَها الدَهرُ إِنَّ الدَهرَ ضَرّارُ
وجاءت في المرتبة الثانية ليلى الأخيلية التي تميزت بالجمال والشجاعة والتحدي والمقدرة على إسكات أئمة شعراء عصرها حيث كانت ليلى تحتل مكانة لافتة مميزة بين الملوك والأمراء ومما ذكرته كتب الأدب بأن الحجاج كان يهش ويبش لحسن حضورها و فصاحتها، فقالت مادحة له:
إذا هبط الحجاج أرضاً مريضة****تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها**غلام إذا هز القناة سقاها
سقاها دماء المارقين وعلها***إذا جمحت يوماً وخيف إذاها
إذا سمع الحجاج رزّ كتيبة******أعد لها قبل النزول قراها
وقالت في الفخر:
نحن الأخايل لا يزال غلامنا**حتى يدب على العصا مشهورا
تبكي الرماح إذا فقدن أكفنا***جزعاً وتعرفنا الرفاق بحورا
وقالت في رثاء حبيبها توبة:
و لو أن ليلى الأخيلية سلمت********عليّ ودوني تربة وصفائح
لسلمت تسيلم البشاشة أوزقا***إليها صدىً من جانب القبر صائح
فآليت لا أنفك أبكيك ما دعت****** على فنن ورقاء أو طار طائر
بينما تصدرت رابعة العدوية منصة الشعر الصوفي فنظمت أجمل الأبيات في العشق الإلهي قائلة:
يا سروري ومنيتي وعمادي**** وأنيسي وعدتي ومــرادي
أنت روح الفؤاد أنت رجائي***أنت لي مؤنس وشوقك زادي
إن تكـن راضيًا عليّ فاءني****يا منى القلب قد بدا إسعادي
وقالت
أحِبُكَ حُبَيْنِ حُبَ الهَـوىٰ………….. وحُبْــاً لأنَكَ أهْـل ٌ لـِذَاك
فأما الذي هُوَ حُبُ الهَوىٰ…….. فَشُغْلِي بذِكْرِكَ عَمَنْ سـِواكْ
وأمّـا الذي أنْتَ أهلٌ لَهُ………..فَلَسْتُ أرىٰ الكَوْنِ حَتىٰ أراكْ
أما العصر الأندلسي فقد زخر بشاعرات جميلات بعضهن أميرات اتسمن بالفصاحة والبلاغة حيث تمتعت المرأة الأندلسية بالنفوذ السياسي والحرية في التعبير والإفصاح عن الحب و الجرأة والمبادرة والتحدي وقوة الشخصية فلا خوف ولا تردد وكانت أهمهن ولّادة بنت الخليفة الأندلسي المستكفي التي كانت تعبّر قصائدها عن جرأة غير متناهية في حب ابن زيدون:
أنا و الله أصلح للمعالي………. أمشي مشيتي و أتيه تيها
أمكن عاشق من صحن خدي….وأمنح قبلتي من يشتهيها
و تقول: ترقّب إذا جنَّ الظلامُ زيارتي ……فإني رأيتُ الليلَ أكتم للسرّ
وبي منك ما لو كان بالشمس لم تلُح..وبالبدرِ لن يطلع وبالنجم لم يَسْرِ
وقد كتبت بثينة بنت المعتمد والأميرة اعتماد الرميكيّة لأبيها الأسير تستأذنه بزواجها
لا تنكروا أني سُبيت وأنني************بنت لملك من بني عباد
ملك عظيم قد تولى عصره**********وكذا الزمان يؤول للإفساد
لما أراد الله فرقة شملنا ************وأذاقنا طعم الأسى من زاد
فخرجت هاربة فلاقاني امرؤ*********** لم يأت في أفعاله بسداد
إذ باعني بيع العبيد فضمني **********من صانني إلا من الانكاد
وأرادني لنكاح نجل طاهر **********حسن الخلائق من بني الأنجاد
ومضى إليك يسوم رأيك في الرضى****ولأنت تنظر في طريق رشاد
وتصرّح جارية زرياب عن حبها لعبد الرحمن الأوسط الأموي
يا من يُغطّي هواه ***من ذا يُغطّي النهارا؟
قد كنتُ أملكُ قلبي *****حتى علقتُ فطارا
يا ويلتا أتراه ******لي كان، أو مستعارا
وتقول الأندلسية أنس القلوب جارية المنصور كاشفة عن حبها لأبي المغيرة عبد الوهاب بن حزم
يا لقومي تعجّبوا مِن غزالٍ ** جائرٍ في محبّتي وهو جاري
ليتَ لو كان لي إليه سبيلٌ **** فأقضي من حبّه أوطاري!
ليرد عليها أبو المغيرة:
كيف كيف الوصولُ للأقمار *** بين سُمر القنا وبيض الشّفارِ
لو علمنا بأن حبّكِ حقٌّ ********** لطلبْنَا الحياة منك بثارِ
وإذا ما الكرام همّوا بشيء *** خاطروا بالنفوس في الأخطار
وصولا إلى عُليّة بنت المهدي التي وقعت في حب خادمها ” طل” و نظمت فيه أجمل القصائد
سـلّم على ذاكَ الغزال *** الأغـيـدُ الحسـنُ الـدَّلالِ
*سـلِّم عـليـه وقـل لــه *** يا غِـل ألـبـابَ الرجـالِ
خليتَ جسمي ضاحياً ***** وسكنتَ في ظلِّ الحجا
وبـلَـغـتَ مـنِّي غـايـةً ****لم أدرِ فيها ما احتيالي
وشرعت حفصة تقول لحبيبها الوزير أبي جعفر أحمد بن سعيد
أغارُ عليكَ من عينيَّ ومنِّي *** ومنكَ ومن زمانِكَ والمكانِ
ولو أني خبـأتُـكَ في عيوني *** إلى يـومِ القيامـةِ مـا كفـَّاني
فلا ارتباك ولا اضطراب ولا احمرار وجنتين ولا إطراق ولاهروب من نظرات الحبيب بل كن يشرحن حبهن دون اعتبارات لقيود المجتمع وربما يعود سبب هذه الجرأة إلى احتفاظ البلاد بصبغتها الأوربية لأننا لم نجد هذه السمات عند شاعرات الجزيرة العربية.
أما العصر الحديث فقد احتضن أديبات وشاعرات أغنين مكتبة الأدب العربي بأمهات الكتب فكانت الأديبة الفلسطينية الفذة وسيدة الصالون مي زيادة التي تميزت برقة الشعور وبلاغة اللغة وسعة الأفق
حيث كان لـ”مي” مجلس أدبي يلتقي فيه عظماء الأدب والشعر والفكر كالرافعي والمرصفي والعقاد وطه حسين، وقد نُشرت مقالاتها في كبريات الصحف والمجلات وأثرت المكتبة العربية بـ (نعم ديوان الحب، الحب في العذاب، باحثة البادية)
أما الدمشقية غادة السمان التي أثرت الأدب العربي بمؤلفاتها والتي جمعتها قصة حب جميلة مع الكاتب المبدع غسان كنفاني كتبت:( الجسد حقيبة سفر ، القمر المربع الرغيف ينبض كالقلب ، أعلنتُ عليه الحب، الحبيب الافتراضي ، عيناك قدري)
و كان للأديبة أحلام مستغانمي روايات سحرت قراء الأدب في أواخر القرن العشرين فكانت خير مصور لمشاعر المرأة وحيرتها واضطرابها حيث كتبت:( الأسود يليق بك وذاكرة جسد وفوضى الحواس وعابر سرير)
والشاعرة والمؤلفة العراقية نازك الملائكة التي قدمت إبداعاتها فكانت (عاشقة القمر وشجرة القمر و الصلاة والثورة والصومعة والشرفة الحمراء)
والشاعرة سعاد الصباح التي أبهرت المبدع نزار قباني بقصيدتها “سيد الكلمات” التي بدأتها بـ
لا تنتقد خجلي الشديد***فإنني بسيطة جدًا وأنت خبير
ردًا منها على تهكمه يوم سمعها أول مرة…
نرى من خلال ما سبق بأن للمراة في الأدب العربي دور لا تقل أهميته عن أهمية دور الرجل ولكن المجتمع العربي تقبّل أن تكون المرأة بطلة روايات وقصائد الكتّاب والشعراء وصورها وجسّد كل جوانب حياتها النفسية والاجتماعية والجسدية لكنه لم يتقبل أدبها كما يجب أو على الأقل كما تقبل أدب الرجل
فمما لا شك فيه بأن المرأة تختلف عن الرجل بيولوجيا وجسديًّا ونفسيًّا وبالتالي تختلف مفرداتها و مشاعرها التي تظهر في إبداعاتها. حيث يثبت العلم بأن عقل المرأة أقدر على نقل الصور والخيال وهما أهم عناصر العمل الإبداعي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لم كانت المبدعات أقل عددا وحظا من المبدعين؟ هل بفعل المجتمع وقمع الحريات أم أن الزواج والأمومة مقبرة الإبداع أم لانشغالهن بتربية أجيال نفخر بها؟
أم السبب تفرغ الرجل وغزارة إنتاجه أم سعي بعض الأصوات الموتورة إلى تقزيم ما تكتبه المرأة؟
لمَ صنف أدب المرأة تحت اسم الأدب النسوي ولم يكن هناك أدب رجالي؟ ولمَ لا يُعتبر الأدب أدبًا بصرف النظرعن جنس الكاتب؟
أليست المرأة منبعا لا ينضب ينهل منه كل ذي علم أليست كائنًا فاعلا ومفكرا يمتلك مقومات التطوير و الريادة والسيادة والحكم و التفضيل ؟
لمَ لم تسلط الخريطة الأدبية ـ على اتساعهاـ الضوء على إبداعات المرأة؟
أليس الغزل بصوت أنثوي كرقيق حرير ورنة خلخال ؟
ألسن مزيج من بحة صوت ونبضة قلب وصرير قلم؟
لمَ لم نتخلص بعد من حضارة معطوبة وعقول معتوهة وتوثيق أبتر وظلم اجتماعي؟
ومتى سنتخلص من الكيل بمعيارين فالأم قديسة والأخت ببينما الحبيبة يحق له التغزل بمفاتنها ونحن في القرن الواحد و العشرين؟! لم معيار الشرف مطّاط عندنا؟
أسئلة كثيرة لم تلق جوابا في مجتمعنا العربي حتى يومنا هذا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الله يعطيك العافية والصحة دوما كلام كله جميل روعة كلماتك تعبر عن أحاسيس المرأة بكل احوالها وكل فصول حياتها من اول عصر الجاهلية الى فجر الاسلام وابداع المرأة في كل كتاب تالفه وتكتبه عن قصتها او عن قصص غيرها من اخواتها النساء وكفيتها حقها بالكلمة الحلوة ورددتي لها حريتها او بعض من حقوقها الله يجزيك الخير يارب العالمين ويعطيك ليرضيك ويسعدك دنيا وآخره يارب العالمين غاليتي سيدة الكلمات استمري بكتاباتك الجيدة التي تريح النفس المتعبة من اعباء الحياة الصعبة عا مداد ٤٠ عاما من الكفاح من ربيع المراة العربية
هذه مقالة مرجعية