أ.رؤوف جنيدي
مرَّ العيد كغيرِه من الأعياد داعين الله أن يُعيده علينا أعواماً كثيرة… قلت في نفسي: لماذا نتمنى أن تُعاد علينا الأعياد وقد صارت أياماً كغيرها من الأيام؟ تبدأ وتنتهي في الشوارع وفي الميادين العامة بعد أن تحولت البيوت إلى ثكنات للعزلة وقضبان تقبع خلفها قطيعة الرحم وقد ضاقت البيوت بزوارها إن لم تكن ضاقت بأهلها أنفسهم…
تذكرت وقت أن كان الأهل يتزاورون بدافع الود والتقارب وصلة الرحم دون حساباتٍ وتعقيداتٍ واستئذاناتٍ قبل المجيء. وقت كنا نستقبل العم أو الخال أو أحد الأقارب دون إخطارٍ مسبقٍ أو استئذان. لم يكن يُخبرنا بمجيئهم إلا طرقات الأبواب أو رنات الأجراس فتفتح الأبواب فإذا به أمامك فتصيح فرحاً متهللا بصوتً عالٍ: أبي أو خالي فلان أو عمى فلان. فيخرج أهل البيت كلٌ من مكانِه مسرعاً لاستقبال الضيف بالأحضان وبكل حفاوةٍ وترحيب..
يجلس بيننا فتعلو الوجوه ابتسامة الرضا والفرح بقدومه وعبارات الترحيب التي لم تكن تنقطع “منور يا أبو فلان.. إحنا زارنا النبي النهاردة.. وِشَّك وللا القمر.. طالت غيبتك يا راجل ” عبارات صادقة بعيدة عن الرياءٌ والنفاق.
ومن كثرة ترديد أبى لعبارة (منور يا أبو فلان) كنت أطوف حول أبو فلان هذا أدقق النظر فيه من كل جانب لأرى من أين ينبعث هذا النور؟!
يقضى العم أو الخال عدة أيامٍ محمولاً فيها على أكف الكرم وحسن الضيافة بما يجود به أهل البيت دون تكلفٍ أو تكليف…
. تذكرت طفولتي حين كنت أسارع بسؤال عمي أو خالي فور حضورِه: “إنت ماشي إمتى؟” فيضحك هو ويرد أبي أو أمي: “ماتخافش لسه قاعد معانا يومين” فأخرج للِّعب وأنا فَرِحٌ مطمئن بسبب الخبر السعيد.
حتى إذا اقترب موعد مغادرته كنا نخبئ نحن الصغار أحد متعلقاته (وغالباً ما كان الحذاء) وننكر على الكبار مكانها عند سؤالنا ونأمل ألا يعثروا عليها إن بحثوا.. وبإلحاحٍ من الضيف أو أحد أبوينا كنا نفصح عن مكانها على مضض ونحن نبكي …. يغادرنا بعدها العم أو الخال وتغادرنا معه أجمل اللحظات وأسعد الأيام بوجوده بيننا…
صحيح إن للظروف الاقتصادية دورها وتأثيرها السلبي، ولكننا استسلمنا لها أكثر مما ينبغي وجعلنا منها الحاكم الرئيس لصلة الرحم والتزاور حتى قتلتنا وقتلت كل جميل فينا. فلا الزائر سيُسأل ماذا أخذ معه. ولا المزور سيُسأل ماذا قدم لضيفه! وإنما سنُسأل جميعاً هل تزاورنا أم لا؟ وكيف نأمل أن يُعيد الله علينا هذه الأيام ونحن لم نطبق فيها مراد الله منا؟
أخي سل نفسك: هل زُرت أخاك. هل زارك أخوك. أم اكتفيتما بتبادل رسائل صماء خالية من دفء المودة وحرارة الأخوة عبر وسائل التباعد؟
أعتقد أن الإجابة لا. ولو سألتك عن سبب عدم التزاور فأنا على يقين أنه ليس لديك إجابة. إلَّا وهمٌ تملكنا. وعزوفٌ عن التواصل استبد بنا. وعزلةٌ حتماً ستقتلنا إن لم تكن بالفعل …. قتلتنا…
