أ.ياسر يونس
أهكذا على الدوام نحن نمضي
مجبرين لشواطئ جديدَهْ
نمضي ولا نعود من رحلتنا
في ظلمة الليل المخلد البعيدَهْ
هلا استطعنا في محيط العمر أن
أن نلقي بالمرساة مرة وحيدَهْ؟
*
أوَّاهُ يا أيتها البحيرة العامُ
انقضى بالكاد قد مر الزمانْ
وها أنا أعود وحدي بعدهُ
وموعد اللقاء قرب الموج حانْ
أجلس فوق الصخرة التي رأيتها
عليها قبل عامٍ في المكانْ
*
وكنت أيضا تهدرين بالصراخ
فوق هذهِ الصخور العاليَهْ
وتتكسر المياه الجارفات
عند هذهِ الحواف العاريَهْ
تسكب فوق قدميها الحلوتين
رغوةً من المياه الجاريَهْ
*
هل تذكرين ذا المساء عندما
أبحرتُ معها في هدوءٍ وصفاءِ
ولم تكن آذاننا تسمع إلا
من بعيد تحت هاتيكَ السماءِ
صوت المجاديف على إيقاع
موجك الشجي وهو يعلو كالغناءِ
*
وفجأةً نسمع لكناتٍ غريباتٍ
أتت من الضفاف الساحراتْ
أصغت لها الأمواج ثم ردد
الصوتُ العزيز كلَّ هذي الكلماتْ:
*
يأيها الدهر اتئد وأنت قف
يأيها الوقت الملائم المواتي
دعنا وشأننا نحس أسرع
اللذات في أجمل أيام الحياةِ
*
التعساء كُثرٌ تضرعوا
فأسرع الآن خطاكَ في المسيرِ
وخذ مع الأيام ما أحزنهم
وانسَ الذين ينعمون بالسرورِ
*
أرجو المزيد دون جدوى
الوقت يمضي في الهروبِ
أقول لليل اتَّئدْ
فالفجر آتٍ عن قريبِ
*
إذن علينا أن نحب
فَلْنَهِمْ في العشق والحبْ
نسرع كي نغتنم
الساعة من قبل الهربْ
*
فليس للإنسان مرسىً
ليس للأوقات شاطيءْ
تمضي ونمضي معها
دون ضفاف أو مرافيءْ
*
فيا زماننا الحسود
هل لوقت الانتشاءِ
حين يصب الحب
جرعات السرور والهناءِ
أن يبطئ السير بنا
كمثل أيام الشقاءِ
*
ماذا ألا يمكن أن
يبقى لنا حتى الطللْ؟
ماذا إذن أضاع منا
كل شيء للأزلْ؟
*
ولن يردها لنا
مهما دفعنا من ثمنْ
فهو الذي قد خطَّها
ثم محا نفس الزمنْ
*
قل لي إذن يأيها الخلود والفناء
والماضي وقاع الهاويَهْ
ماذا تريد صنعهُ بما التهمتَ
من حياتي والليالي الماضيَهْ
هل سترد ذات يومٍ ما اختطفتَ
عنوةً من نَشَواتي الساميَهْ
*
أيتها البحيرة التي أناديها
ويا صُمَّ الصخور الساكنَهْ
أيتها البرِّية السوداء فوق
الأرض يا كل الكهوف الداكنَهْ
*
أنت التي يد الزمان ربما
تردها إلى الشباب من جديدْ
أيتها الطبيعة الحسناء فلتُبقِ لنا
من هذهِ الليلة تذكارا وحيدْ
*
أيتها البحيرة الحسناء في
صحوكِ أو تحت الرياح العاصفاتْ
أو بين أشجار الصنوبر الكثيف
أو على تلك الشطوط الضاحكاتْ
*
فوق صخوركِ التي قد انحنت
فوق المياهِ الجاريات جاسياتْ
وفي النسائم العليلة التي
تمر في هذا الأثير راجفاتْ
*
في صوت أصداء الشطوط للشطوط
وهي تسري بينها مكرراتْ
في النجمة الفضية التي تشع
نورها فوق المياهِ الجارياتْ
*
فلْتَقُلِ الرياح في
صوت تعيسٍ وحزينْ
وغابة البوص بزَفْرات
النواح والأنينْ
وكل عطرٍ في الهواء
لا يكاد أن يبينْ
*
وكل صورةٍ وصوتٍ
كل شهقةٍ وزفرَهْ
إنَّا جميعًا قد شهدنا
عاشقين ذات مرَّهْ
من كتاب “زهور من بساتين الشعر الفرنسي” لياسر يونس