ثورة الزنج العبيد :
اول حركة تحررية للعبيد في التاريخ الاسلامي حتى ان بعض الشيوعيون ذهبوا الى تسميتها بالثورة الاشتراكية الاولى … استمرت قرابة ال14 عاما ..
وقفة مع البداية والاسباب والنهاية :::
قادها محمد بن علي الفارسي الاصل والذي ادعى النسب العلوي حيث لمع كشاعر فصيح في بلاط سامراء العباسية ذو شخصية فذة بطموحات سياسية وعقل منفتح فحاز خطاب تحرري جرئ … كل ذلك جعل منه نموذج قيادي بامتياز مكنه من ان يجمع حوله شريحة مهمة في المجتمع الاسلامي في تلك الحقبة وهي طبقة العبيد المستجلبين من افريقيا للعمل في الاقطاعات الزراعية في العراق واراضيه الخصبة ليقود بذلك اكبر حركة تحررية داخلية بلحظة ما شكلت خطرا حقيقيا على الحكم العباسي …
بدأ الحراك الثوري في الموصل واستطاع خلال فترة وجيزة ان يغطي السواد الاعظم من العراق شمالا الموصل وحتى الاحواز جنوبا .. بعد سقوط البصرة اصبح الخطر يداهم بغداد فتنبه الخليفة المعتمد لخروج الامر عن السيطرة فسير اخيه الموفق بعد انتصاره على الصفاريين لقتالهم بعد ان فشلت كل المحاولات السابقة لإخماد ثورة العبيد …
على الرغم من الخسائر الكبيرة التي كبدها الزنج للجيش العباسي بداية الا ان الموفق من خلال خططه العسكرية القائمة على الكمائن استطاع استهداف احصن معاقلهم والحاق الهزيمة بهم فقتل من قتل وهرب من هرب ولم يشرع حتى في ملاحقة الهاربين لان الهزيمة كانت ساحقة …
قراءة تحليلية
ان ثورة الزنج التي قادها محمد بن علي ضد الخليفة المعتمد والتي استمرت اكثر من عقد قامت بغاية تحقيق اهداف محقة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتخفيف الضغط والمظالم على العبيد العاملين في القطاع الزراعي الا انها بائت بالفشل كنتيجة حتمية للاخطاء التي ارتكبها الزنج أنفسهم إذ اتسمت بالضعف لغياب الرؤية المستقبلية التي تشمل تطلعات الثائرين اضافة لكون الغاية التي ظهرت لاحقا بعد تحقيق النصر العسكري في الكثير من الاقاليم كانت انتقامية في حقيقتها لا اصلاحية كما كان الادعاء تهدف لتحقيق انقلاب اجتماعي لا تقويم مجتمعي للأوضاع السيئة التي عانتها فئة العبيد فعليا كما ان المطامع الشخصية التي تحولت لهاجس قائد الثورة محمد بن علي إذ أصبح اسيرا” لفكرة الزعامة لهذا الاقليم الخارج عن سيطرة العباسيين فلم يسعى إلى إحداث تصالحات داخلية بين الفئات المختلفة بل لم يعمد إلى محاسبة قادة جنده الذين ارتكبوا الفظائع من قتل وسرقات وحتى سبي للحرائر مهملا الفئات المجتمعية الاخرى لحساب الجند ولم يلتفت الى الأقاليم المجاورة وإقامة علاقات وتحالفات قائمة على المصالح المتبادلة وبالتالي خلق حلفاء في مواجهة العباسيين …
إن إهمال محمد بن علي للقاعدة الشعبية وعدم بناء نظام اجتماعي متماسك حول حركته ذات الاهداف المحقة إلى حركة تمرد استطاع العباسيون استغلال الثغرات الداخلية فيها لهزيمتها وسحقها….
إن المتأمل لهذه الثورة لابد ان يدرك ان انتشار الظلم والبغي هو اعلان ضمني لقيام الثورة فإذا ما قامت لابد أن تسلك أحد الطريقين :
أن تبقى الثورة أداة للإصلاح لا أن تتحول لصنم يعبد…. فالثورة التي يلبسها ابناؤها رداء الحق من طلب للعدل والمساواة ورد الحقوق ونصرة المظلومين في البلاد لابد ان يؤمنوا بهذه المطالب قولا وعملا فانتصارها مقترن لا محالة بتمثلهم بتلك المطالب التي نادوا فيها مترفعين عن مستوى الانتقامات والمكاسب المادية والمصالح الشخصية مع فهم لمعطيات الواقع وابعاده والتفاعل بمرونة مع المجريات المحيطة وتسييرها بما يخدم خلق حالة عامة افضل من السابقة تستشعرها العامة وتنتدمج معها فلا تكون الصورة انتقامية قاتمة وانما اصلاحية تستشرف مستقبلا افضل للمنطقة والا ..
فإن الطريق الثاني الذي لابد ان تسلكه ثورتهم هزيمة حتمية لا يتوقف الأمر عند فناءها كفكرة بل فنائهم الوجودي أيضا ….
إن التركيز على الاختلافات يعيق بناء الجسور مع الاخرين ويمنع بناء تحالفات قوية قائمة على الثقة تطمح من خلالها الى إنجاح الإصلاح الذي تنشده فأن تكون مختلف شيء وأن تتعصب لاختلافك شيء آخر تماما و الأسوء من هذا أن تقوم بذريعة الاختلاف بإقصاء الاخرين وسلبهم حقهم بالاختلاف ايضا وكما ينطبق هذا على الافراد فانه ينطبق على المجموع ….
وحده التاريخ يمكنك من فهم الاخطاء التي اوصلتك الى النتائج المؤلمة بقليل من التمعن والنقد والانصاف تتجاوز المحنة وتعيد بناء ذاتك بالشكل الذي يمثلك حقا …
كتبه : خولة طه

من admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *