رمضان شهر الخير..
أ. طارق سليمان
يمتلك شهر رمضان حضورا لافتا وشخصية متفردة بين جميع الشهور ليس فقط في قلوب محبيه ، بل في عقولهم وعقول كل من يعايش المسلمين في بقاع الأرض ..
شهر رمضان هو الشهر الأكثر تأثيرا في نمط حياة صائميه ومريديه منذ اللحظة الأولى لظهور هلاله المرتبط بحفظ اللسان وصون الود وإحصان الفرج وبذل النفس وصلة الرحم .. لحظة بلحظة طوال أيام الشهر حتى يصبح الهلال قمرا مكتملا ينير السماء .. عند انتصاف الشهر ، و الكل معه في تناغم متصاعد مرورًا بالعشر الأواخر إلى أن يعود القمر هلالا مرة ثانية .. دورة حياة قمرية تمتزج فيها الإرادة السماوية بتفاصيل الحياة البشرية ..
كل يوم من أيام رمضان الخير هو حياة مكتملة وقصة جميلة لها بداية مع انتظار الغروب وأذان المغرب ثم تناول ما تيسر من طعام والسير للمساجد للصلوات وإنهاء رحلة شاقة من الامتناع عن ما كل ما يجرح الصوم .. ثم فيما بعد الإفطار جلسات ومناقشات راقية والمشروبات رمضانية وتنتهي الرحلة بوجبة السحر التي ليس لها مثيل في كل الشرائع..
رمضان هو الشهر الوحيد الذي يختلف وقعه على نفوسنا تماما باختلاف مكانه بين فصول العام .. فرمضان الصيف في فصول الحر الهجير .. غير رمضان الشتاء في فصول البرد الزمهرير ..
هذا له طقوس وسهرات صيفية و إيمانية في الأماكن المفتوحة خارج المنزل حتى السحور .. وذاك يمتاز بالبقاء في البيوت والليل الطويل والتزاور بين الأقارب والتحلق حول آنية الطعام الساخنة ..كما أن فكرة توحيد وقت تناول الطعام في بيوت الحي الواحد أو منازل المدينة الواحدة فكرة خيالية تحتاج لكثير من الإبداع الفكري والعقلي القريب من السريالية لكي تتخيل شوارع مدن بأكملها خالية من المارة في لحظة واحدة ..
والكل ينتظر لحظة واحدة ليمد يده إلى كوب الماء الممزوج بالدعاء ..
ويعتبر شهر رمضان من الشهور المتفردة بأنواع مخصوصة من الأطعمة والحلويات والمشروبات كالكنافة والقطايف و قمر الدين ..
ولكل منا حكايات خاصة جدا مع رمضان .. كيف صام أول مرة وهو لازال طفلا ..وكيف كان يتلوى من الجوع صغيرا وتأتيه أمه خلسة بطبق من الطعام عند العصر وتقول له هذا حدك من الصيام ولكنه يرفض ويكمل الصيام حتى الغروب .. وما بين شفقة الأم على طفلها وفخرها بعناده وصموده صنع آلالاف الرجال ..
ثم كيف كبر وأصبح يقضي ساعات السفر والعمل الشاق صائما وهو شابا .. يرفض الرُّخص لكي يكون من أهل العزم .. ويبقى على صيامه مسافرا مرتحلا من أجل كسب العيش والرزق الحلال .. ثم ذكريات أيام وليال وبقية باقية في النفس مع رمضان .. كشيخٍ يواظب على صلاة التراويح في المسجد وقد أرهقة الوقوف مصليا .. ورويدا رويدا يجلس على كرسيه .. إلى أن يلتقي كل منا مع صيامه عند الرفيق الأعلى .. وكل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به ..
وعندما تصل رحلة الثلاثين يوما رمضانيا إلى محطة الوصول .. تكون المكافأة الإلهية في انتظار الجميع .. عيدا جميلا سعيدا يحمل الفرحة والفوز المعنوي .. فللصائم فرحتان فرحة عند إفطاره .. وفرحة العيد السعيد ..
