أ.طارق سليمان
تتعاقب دورة القمر حول الأرض ليكتمل الشهر .. وتتعاقب دورة الأرض حول الشمس ليكتمل العام.. ولا يكتمل العام إلا بقدوم شهر رمضان..
كل عام يأتي رمضان، ولكن في كل مرة بطعم مختلف لا يسبقه ما سبقه.. فنحن نعرف الأعوام برمضانها..
نعم يظل الشهر الكريم هو هو بروحانيته وجمال أجوائه.. ولكن يظل الإحساس الشخصي لكل منا يختلف عن الآخر.. فلكل منا رمضانه ..
من منا ينسى أول رمضان صام فيه.. وكيف عاند أمه وتجاهل خوفها عليه.. وكيف صمد الساعات الطوال في انتظار أذان هذا اليوم.. ثم كيف شعر بالفخر بعدها لأنه صيام رمضان جعله في مصاف الكبار.. فجلس على مائدة حافلة بالطعام منتشيا يشرب الماء والعصائر فقط ويمر على الطعام مرور الكرام ..
لكل منا ذكرى خاصة بينه وبين رمضان.. فمنا من عاصر فيه امتحانات نهاية المرحلة الثانوية التي تحدد مستقبله باقي أيام حياته في رمضان.. وكيف كان يتناول طعام السحور ويصلي الفجر ولا يستطيع النوم حتى يستطيع البقاء منتبها داخل لجان الامتحانات..
ومنا من قضى رمضان أيام الخدمة الإلزامية العسكرية وكان الجوع يقرض بطنه والعطش يجعل فمه جافا في وسط رمال الصحراء، ولكنه كان يحافظ على صومه ويؤجل فرحته لما بعد أذان المغرب.. فللصائم فرحتان.. فرحة عند إفطاره.. وفرحة عند لقاء ربه..
ومنا من قضى رمضان في بلاد الغربة غريبا لا يفطر معه أحدا ولا يؤنس رمضانه أحدا.. ولقد كنت من هؤلاء.. حتى أنني صمت رمضان في أحد الأعوام 31 يوما.. لأنني صمت في السعودية 30 يوم وأكملت اليوم الثلاثين مرة أخرى في مصر..
والصوم لغة الإمساك عن الشيء.. فالإمساك عن الكلام هو الصمت.. والإمساك عن الزواج هو الرهبانية أو التبتل ..
والصوم شرعا هو الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات.. من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس بنية مخصوصة.
والمقصود من الصيام هو حبس النفس عن الشهوات وفطامها عما تألفت عليه من ملذات.. وتعديل قوانين قوة الشهوات لدى الإنسان الفرد الجامح بلا حدود ..
وكما يتميز الشهر الكريم بخصوصية عبادة الصوم.. يتميز أيضا بإعمار المساجد والصلاة فيها ليلا.. حيث تصدح أصوات الأئمة في صلوات التراويح ما بين العشاء والفجر..
ولأنه شهر الامتناع عن الطعام نهارا.. يتفنن أهل الإسلام في أنواع الطعام ليلا ..
وفي النهاية فإن الصيام هو عبادة روحية وقلبية وجسدية.. عبادة خاصة بين العبد وربه
تظل كل العبادات للعبد.. إلا الصوم فهو لله وهو سبحانه وتعالى يجزي به..