أ.رؤوف جنيدي 

وهبطت دغْشَةُ المَسَاء على طريق الوجدان وغَرُبت شمس اليوم. وأسدَل الليل أجنحته على الخلائق وغاب القمر إلا من إطلالاتٍ متقطعة بين مرور سحابةٍ ليليةٍ وأخرى. أو هكذا ظنت شادية أنه غاب لتنسج لنا من غيابه أروع أحاديث الود والغرام ولتأنس بوجه ابن عمها الذي بدا لها وكأنه بديلاً عن القمر، ويبدأ موكب الحبيبين ماراً بين أشجار الشوق والغرام. وتبدأ معه مداعبات ابنة العم لابن عمها وملاطفاتها التي انحنت لها وأنصتت أغصان الود على جانبي الطريق كأنهن صبايا قابعاتٍ يستمعن وينتظرن مرور موكبها العُرسي البهيج..

 وتمر ابنة العم برفقة ابن عمها في حياءٍ ودلال. تهيم بين يديه بخطواتٍ ميادةٍ مدللة. تتمايل ذات اليمين وذات الشمال وحياؤها باسط ذراعيه على عيونه. تختال وكأنها تسبح في خدر الهوى وخمر الوصال.. تتلاعب على وجهها كل حينٍ كريات فضية اللون كقطراتِ ضوءٍ سالت من فوهة قمرٍ يُطل عليهما غدَّاءً رواحاً كلما انزاحت عنه سحاباتٌ ليليةٌ وغطته أخرى. وعلى خصور نسماتٍ عليلاتٍ تتمايل سعاف النخيل لتصدر حفيفاً كورالياً كأغنيات العُرس وترانيم الزفاف. تنظر الحسناءُ في عيون ابن عمها خائفةً أو هكذا تدَّعي متدللة! لتقترب منه أكثر فأكثر. ثم تنطق عيونُها (غاب القمر يا ابن عمي يللا روحني … دي النسمة آخر الليل بتفوت وتجرحني) …

ينتفض ابن العم ليبسُط رداءَه حولها عساه أن يحتويها بعيداً عن نسمة آخر الليل الفائتة. لتصدح شادية وكأنها توقظ الليل من هدأته (الصوت دِبل في الخلا والليل ما عاد له دليل.. نعِس الفضا واتملى قلبى بنجوم الليل). همَّ ابن العم واقفاً عساه يأتيها بقبسٍ من نجوم السماء وليسكب الضي رقراقاً في راحتيها. وتعاجله كلماتِها وكأنها تحتضنه (لمس النسيم توبي بهمس غنيوتك) فيُحكِم ابن العم رداءه حولها أكثر فأكثر

تعاتب ابنة العم حظها وتستحث ابن عمها متسائلة (الليل ووحدي ووحدك سايبين هوانا وحيد.. فين الحواديت وفين سهراتنا تحت الضي). فيُجلسها ابن العم إلى جذع نخلةٍ فتساقط عليهما من قطرات العشق وكلمات الغرام ما يُؤنس وحشة القلب ويطفئ لوعة الشوق. (خوفي من الضلمة تتوهني وأنت بعيد). فيمسح ابن العم على خديها مسحةً تبدد خوفَها وتهدهد وجدانها … يتحسس خصلات شعرها التي داعبت وجهه وشاغلت عينيه بعد أن (ضحك الهوى حواليه وتمايلت النجمات. ملس على شعرها ورماه عليه حكايات) ليقرأ ابن العم خصلات شعرها خصلةً خصلة وحكايةً حكاية إلى أن تُدوي في الفضا ضحكةٌ شاردة يتردد صداها بين أوراق الشجر وعلى أسماع الطيور…

ويرافقها ابن العم حتى مشارف بيتها. بخطواتٍ تنقر في الأرض نقر أصابع الشوق على دفوف الأمل والرجاء. لتدخل ابنة العم بيتها. وسُرعان ما تُطل عليه من نافذة غرفتها. لتلقى على سمعه وبصوتٍ هامسٍ خفيض وكأنها تُذكره (غاب القمر يا ابن عمي يللا روحني).. ليعود ابن العم في اليوم التالي وبصحبة أبيه ليطرق باب عمه على سنة الله ورسوله. عاد بقلبٍ تسكنه المودة والرحمة…

وعلى لسانه تتردد …. فاتحة الكتاب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *