أ.بيبو يوسف

مرحبًا يا عزيزي،

كيف حالك؟

أدري أنك لست بخير، ينزف قلبك جراحًا، وقلبي مثلك ينزف خوفًا وأشواقًا. أعتذر، ولا أدري لماذا أعتذر… حتى الاعتذار لن يمحو بشاعة ما فعلته بك وبي.

كان يُفترض أن يكون هذا اليوم أفضل أيام حياتنا، اليوم الذي كنا سنتذكره بلطف إلى يوم مماتنا…

كيف لي أن أنسى!!

هذا اليوم كان أحد أيام “آذار”، حيث كل شيء يضحك في الكون… الشتاء رحل، والصيف لم يأتِ بعد.

الهواء يلهو بالأجواء، فيدغدغ وريقات الأشجار، وبخفةٍ يداعب وجوهنا، يتبعني القمر من فوقنا… وفي شارعنا الذي يشهد على قصتنا، كنا نتمشّى بتكاسل، تتمسك بيدي وتسبقني بخطوة، عينك تحمل في طيّاتها أحاديث تتردّد في أن تبوح بها، كنت أقرأ هذا في عينيك وأتجاهله عن عمد.

بيدك الدافئة تحتضن يدي، تقبض عليها بشدة وكأنك كنت تخشى أن أفلت منك أو أن أختفي دون أثر.

كنتُ أسترق النظر إلى وجهك وأبتسم، فأيّ شيء في الكون سيكون أجمل من هذه اللحظة؟

أنا وأنت وليل صافٍ يحتضن نجومًا تشهد على حبّنا.

كنتُ أتمنى أن يتوقف الزمن عند هذه اللحظة، وعند هذا الشعور، ولا يتحرّك، لكن الزمن لا يتوقف عند أمانينا…

أنت اعترضت مسيرنا، وتوقفت فجأة عن الحركة، أغمضتَ عينيك بشدة، وكأنك توقف عنوةً كل أفكارك التي تخشى أن تمنعك من التقدم نحوي وسحق تلك المسافة اللعينة التي تفصل بيننا.

ثم اعتصرت يداك يدي في عناقٍ قصير، وكأنك تستمدّ العون مني، ثم أفلتها لتتقدّم خطوة عني، حتى وقفت أمامي، وعيناك ترى بوضوح ما تخبئه عيناي.

لحظتها، تنهدتَ باضطراب قائلًا:

“هناك شيء أريد أن أخبرك إيّاه…”

حينها ابتسمتُ وأنا أقرأ ارتباكك وتوترك، وقلت:

“انتظرتك طويلًا يا عزيزي أن تخبرني بما يشغل بالك! ولكن أرجو ألا يكون هذا الحديث عن أنك ستخبرني بأنك ستنفصل عني”

قلت الجملة الأخيرة حينها، يا عزيزي، وأنا أضع يدي على فمي، أصطنع الصدمة بطريقة مضحكة.

ضحكتَ حينها وأخبرتني:

“أنني جُننتُ”

ورغم تلك السعادة التي كانت تمرح على ملامحك، كان وجهك قلقًا يعبث به الاضطراب.

قرأتُ هذا بسهولة، يا عزيزي، وألححتُ عليك أن تخبرني ما يحدث معك.

جذبتني نحوك، الأمر الذي زاد اضطرابي. حاولتُ دفعك والاعتراض، لكنك لم تهتم، اقتربتَ أكثر، وكأنك لم تسمعني.

قبّلتني على جبيني، وهمست أنفاسك:

“هل تشاركينني رحلتي، عزيزتي؟ وأن تبقي معي إلى آخر الطريق؟

أن تصيري امرأتي الوحيدة، أن تقبلي أن تكوني زوجتي وحبيبتي إلى الأبد؟”

تجاهلتُ جديّتك يا عزيزي حينها، ومازحتك:

“امنحني الوقت للتفكير”

لكن مزاحي لم يُزحزحك عن جديتك.

جذبتني وأعدتني إلى مرمى عينيك، حتى أرى كيف أنها تلمع بإصرار، كالنجوم التي كانت ترقّني في السماء ذلك المساء.

“لن أستطيع أن أحيا من دونك، هذا أمر لا مزاح فيه، كوني زوجتي!

أنا لن أقبل بأي إجابة سوى أنك ستكونين لي.”

كان من المفترض حينها أن أخبرك أنني أقبل…

أنا كنتُ غارقة في غرامك إلى حدّ الجنون، ولا زلتُ، يا عزيزي، مجنونة بك،

ولكني لم أمنحك الإجابة التي تريد،

ارتعش صوتي وأنا أخبرك:

“لا، لستُ مستعدّة…”

أصابك الجنون حينها، وصحتَ متفاجئًا:

غير مستعدة؟ أتمزحين؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

لا أمزح يا عزيزي، أنا غير مستعدة للزواج، أو بالأحرى، أنا خائفة منه…

“لا تخافي… أنا معك، وسأظل أحبك إلى الأبد.”

قالها، وعيناه تشعّان برقة وصدق لم أعهدهما من قبل.

لكنني تمتمتُ بصوتٍ متردّد:

“لكني لا أستطيع الزواج… كل من سبقونا قالوا مثل هذا الكلام لبعضهم البعض… أنهم سيظلون يُحبّون بعضهم إلى الأبد، ثم تزوّجوا، ومات بينهما كل شيء جميل.”

نظرتُ إليه، وعيناي تملؤهما دموع لم تسقط بعد، وتابعت:

“أنا لستُ مستعدّة لأن أُضحّي بحبّنا من أجل الزواج. أريد فقط أن أُحبك كما نحن الآن… إلى الأبد.

نحن لسنا مثلهم. أنا أعشقك، ولا يمكنني تخيّل يومٍ واحد لستَ فيه إلى جواري!”

حاول بيأس إقناعي،

ثم نظرتُ إليه بجديّة وألم:

“لا يوجد ضمان بأنك ستبقى كما أنت بعد الزواج، وأنا… لستُ مستعدة لأن أُقامر بحبّنا.”

صُدم من كلماتي، وتساءل بصوتٍ منكسر:

“أي أنكِ… لن تتزوجيني؟”

وفي تلك اللحظة، أفلتُّ نفسي من حضنه، وتركته خلفي كمن صُعق، وركضتُ أهرب من نفسي… من ضعفي… من خوفي،

بينما دموعي تلسع خدّي كالسياط.

كنتُ أعلم أنني سأندم على تلك اللحظة… اللحظة التي عجزتُ فيها عن التغلّب على خوفي، وتركتُ فيها من أحبّ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *