أ.بدري البشيهي
لُغَتي تُصَارعُ مَوْجةَ النُّكْرانِ
والغربُ عَانَدَ فُلكَهَا القرآنِي
عَابُوا لِساني جامدًا لم يُدِركُوا
أنَّ الحَضَارةَ بَعثُها بلِسَاني
واسْألْ قُرُونَ العِزّ بعدَ تَمَكُّنٍ
وَتَمَسُّكٍ بفضائلِ الإيمَانِ
فَتَحَتَ مَدارِكَ أُمّةٍ فتربَّعَتْ
فوقَ النُّجُومِ وعرشُها بِبَيَانِي
إني أنا الضَّاد التي في دَرسِهَا
فهمُ العلومِ ومُطلَقُ الإحسَانِ
وأنا الخَوَارزميُّ أرسَى صرحَهُ
ما زالَ يسكنُهُ عدُوِّي الجَانِي
وأنا ابنُ سِينا شعَّ ضَوءُ مَعَارِفِي
مِنِّي قَبَسْتُمْ جَذْوَةَ البُرهَانِ
أَخْرَجْتُ فَجْرَ العلمِ حينَ تغافلُوا
ضَرَبُوا صُكُوك الإِفْكِ والغُفرَانِ
فَنزعْتُ من فَكِّ الزمانِ شُمُوسَهُ
ومدارُ نهضتِكُمْ بِخَطِّ بَنَانِي
فقد احتويْتُ العِلْمَ بين جوانِحِي
وَبَسَطتُ كفِّي بالهُدَى المَيْسَانِي
أَوَلَم أَكُنْ أرعَى الفيافي جَاهِدًا؟
حَتَّى أهلَّ النورُ بالفُرقانِ
أَوَلَمْ أَكُنْ عبدًا لِصَخرٍ غفْلةً
حتى أتاهُ مُحَطِّمُ الأَوْثَانِ
فَتَحَ العقولَ وكانَ أوَّلُ أمرِنَا
اقرأ كتابَ العِلْمِ والتِّبْيانِ
بِلِساننا العربيِّ ليسَ بغيرِهِ
وحيُ السماءِ وسُنّةُ العَدنَانِ
دَوْحٌ تأصَّلَ والبَيَانُ جذورُها
وثمارُها في سِدرةِ الرحمنِ
وغُصُونُها في الكون عمَّ ظلالُها
منذ ابتداءِ المْنطِقِ الإنْسانِي
وَجَمَعتُ مِنْ كُلِّ الحضَاراتِ التي
سَبَقَتْ ـ رحيقَ العلمِ في بُستَاني
وَأَبَحْتُهُ شهْدًا مُصَفًّى خالِصًا
فيه الشِّفاءُ لِغُلَّةِ الظّمْآنِ
وَعَزفْتُ أنغامَ الهدايةِ قائدًا
فِرَقَ الفُنُونِ بِمَسْرَحِ الرِّضْوَانِ
جَبْرٌ وَهَنْدسَةٌ وفَنٌّ هادِفٌ
طِبٌّ وصَيْدَلَةٌ وَعِلمٌ بَانِ
نَثٔرٌ وشِعرٌ فيه روحُ لِسَانِنَا
وَقَصِيدَتِي نَسجَتْ ضُحَى الطُّوفَانِ(١)
إني أنا لُغَةُ الكتابُ وحِفْظُهَا
أَمْرٌ من الرَّحمنِ للعُربَانِ
فالحِفظُ حَقَّ لا مِراءَ فَحُكْمُهُ
ماضٍ يَقُدُّ مكائدَ الشَّيطانِ
ما كانَ في عَصرِ الحضَارةِ بالمُنَى
فلقد مَضَى عهدُ السماءِ الحَانِي
فلْتَنْهَضُوا من أجل أن أَحيَا بكم
فَبَنِيَّ فيهم عُدَّتِي وَأَمَانِي
إني أسيرُ سفينةً فوق الرَّدَى
والموجُ ردَّ مسيرَهَا العَدنَانِي
والغربُ كادَ وما أزالُ أَرُدُّهُ
بالشِّعرِ بالإيمانِ بالقُرآنِ
(1) ديوان طوفان الأقصى