أ.سعد فنصة
سأتحدث باختزال محكم عن لحظة تاريخية كنت انتظرها لسنوات بعيدة ماقبل الثورة بعقدين على الأقل، وهي سقوط حافظ الأسد بعد إعدام ديكتاتور رومانيا نيقولاي تشاوشيسكو .. وسقوط الاتحاد الكرتوني السوفييتي .. بين عامي 1990- 1991 ، كنت منتظرا بلهفة أن يحصل في سوريا ما حصل في هذه البلدان المتشابهة بالقمع وكم أفواه الناس والمحكومة بالحزب والإله الحاكم الفرد الواحد، الذي لاعقل إلا عقله ولا صورة إلا صورته ولا خبر لا خبره .. وبالرغم من أن حال الحريات مع الاقتصاد والتنظيم المدني للتعليم والصحة والقضاء والخدمات كانت أسوأ بكثير في سوريا مقارنة بتلك البلدان، إلا أنني لم أشك يوما بأنني سأشهد هذا اليوم…
ولكنني شهدته مع وريثه الفار حين أزفت ساعة الحقيقة، وتم الاستغناء عن خدماته بانتهاء دوره وأنا كهل بعد أن سُرِقَ عمري بكامله منهكًا بالفقر والتشرد والمرض وفقدان الأهل والأحبة والأصدقاء..
كل ما حصل كان عبثيا وضياعا متعمدا لوطن السوريين وخيرة شبابه وشاباته تحت سطوة جهاز مهول يفتقد أدنى حس إنساني بالرحمة من فرق معدة للتعذيب والاستمتاع به في المعتقلات أو دفنا تحت الركام أو موتا وغرقا وحرقا وذبحا بأبشع وسائل الموت والتهجير…
قد يأتي يوم قادم في المستقبل لنسامح .. نعم .. نسامح .. من أجل وطن أفضل لبقية من أعمارنا ولأجل لأولادنا وأحفادنا، ولكن هيهات أن ننسى إلا بعد أن يكون هناك جدية حقيقية في المحاسبة القانونية بمحاكم عادلة كي لاتتكرر الجرائم المناهضة للإنسانية بحق شعب من الشعوب في قرية صغيرة على كوكب الأرض فتاريخ الكارثة كُتِب وسجل بالصوت والصورة ..ويوم بيوم وساعة بساعة ،واسم بعد اسم، لم يمحَ بعد…
بالنسبة لي ربما أكون أنا واحدا من بين ملايين المنتفضين على حكم الأسد بلا يأس ولا كلل ..بالرغم من أنني لم أكن سوى جزء صغير من الكل الذي لم يمل .. ولكن لاشيء في الدنيا يجعلني أكبر من الفخر وأحمد الله والشعب والأحرار الأبطال الذين حرروا سوريا .. في لحظة سماعي صرخة واحدة أغشتني نشوة لايعادلها نشوة:
“الأسد سقط…
المجرم هرب…
مدحورًا ذليلا .. خائنا..
سورية اليوم بدون الأسد”
في هذه اللحظة بالذات توقف فيها الزمن عندي وعند كل الأحرار .. ولازال متوقفا بأحاسيس لم أعهدها من قبل ولم أشعر بمثلها في حياتي … إني ككاتب سوري أمريكي أفخر بانتمائي وتاريخي ومؤلفاتي في التاريخ والآثار وأحمل جوائز وشهادات فخرية وبراءات تقدير سورية وعربية وعالمية .. أعلن أمام الملأ وفي الإعلام أن بشار الأسد وعصابته وجهازه العسكري والمخابراتي نهب أعمار السوريين وإرثهم الثقافي المادي وتراثهم الحضاري المعنوي وأحط من قيمهم وكان هذا الانحطاط أعلى قيمة وأثرا من نهب اقتصادهم وبيع ثرواتهم .. وأول ما يجب أن يعلنه السوريون كافة : أن بشار الأسد خائنا وحانثا لقَسَمِه الجمهوري بقوة القانون الملزم دستوريا…
