أ.حنان بديع
الكون دقيق وعبثي.. والزمن فيه أحد أسراره العجيبة.. وهو موجود في آن واحد، الماضي والحاضر والمستقبل..
إلا أن الحاضر هو الزمن الوحيد الذي نملك مفاتيح سعادته لأننا نعيش فيه، إلا أن الحنين إلى الماضي بتفاصيله هو أيضاً شيء جميل ويمدنا بسعادة وراحة، فللحنين إلى الماضي أساس سيكولوجي، يطلق عليه مصطلح النوستولجيا (الحنين إلى ماضي مثالي). ويؤكد علماء النفس على أن النولستوجيا هي آلية دفاع يستخدمها العقل لتحسين الحالة النفسية عندما نواجه صعوبات في التكيف مع الحاضر وعند الشعور بالوحدة، لذا يصبح الحنين للماضي مهم للصحة العقلية والنفسية، وله فوائد جسدية وعاطفية أيضا، فهو أسلوب ناجح في محاربة الاكتئاب….
وبعيداً عن حاضرنا وماضينا، هناك عصور تمتد لماضٍ سحيق تجاوزنا بمئات السنين، لنسبح بخيالنا قليلاً ونستعرض تلك العصور الماضية، فمن عصر الديناصورات، إلى العصر الحجري، إلى عصر الفراعنة، إلى العصر الفيكتوري، إلى عصر بيكاسو، إلى عصر الفن الجميل، إلى بدايات القرن العشرين، عصر الازدهار الأدبي والعلمي…
ماذا لو كنت تعيش في عصر أو حضارة معينة غير العصر الحالي الذي نعيش فيه، أي عصر تختار وتتمنى أن تعيش فيه وكيف ستكون طبيعة حياتك؟ وما هي أبرز الميزات والعيوب في كل حقبة زمنية؟
على الرغم من أن الجميع يعرف بأن الزمن ذو اتجاه واحد، ما مضى منه لن يعود، إلّا أنني أود لو أعود.. وأتخيل كيف يمكن أن يكون السفر عبر الزمن مثلاً، لنتمكن من القيام بزيارة خاطفة لكل عصر، وهل لو فعلنا سنحمد الله على وجودنا في هذا العصر بالذات..
لو كنت في العصر الحجري مثلا، حتما كنت سأزين شعري بعظمة ساق أرنب، وأستمتع بشوي الفرائس داخل كهف أشعر أنه الأجمل، لكن الحقيقة أن هناك عصراً تتعلق فيه شقق بأبراجها الشاهقة وفلل تتزين بمسابحها الخاصة..
ولو كنت في عصر الفراعنة فلن أرغب إلا في أن أكون فرعونة، لأنه عصر مأساوي لبقية الطبقات الأخرى..
معجبة أنا مثلاً بأناقة النساء في العصر الفيكتوري وأتخيل كيف سأبدو بفساتين بتصميم الكورسيهات، والتنورات، والتنانير المنفوشة، والقبعات، لكن اِمتيازات وحقوق المرأة الفيكتورية كانت محدودة للغاية..
وماذا عن عصر الفن الجميل الذي نترحم عليه متحسرين على رومانسيته وفنونه أو فترة الستينيات بما تميزت به من مظاهر الحياة المفعمة بالموسيقى، والأفلام، والأزياء
حيث الحياة البسيطة والهادئة التي تفتقر إلى أي وسيلة من وسائل التكنولوجيا الحديثة، لكن يرعبني أن أتخيل حدوث طارئ وأنت في تلك الحقبة واحتجت وسيلة حديثة للاستغاثة، أو لطلب المساعدة، أو للهروب، أو للعلاج أو لإصلاح شيء ما، ولم تجدها، بالطبع سيصبح الأمر جحيماً بالنسبة لك.. وستتحسر على تقنيات حديثة كانت لتساعدك في هذه الأزمة..
ترى هل نحن محظوظين لأننا ولدنا في هذا العصر حيث كل شيء سَهل وتتوفر فيه وسائل الراحة، والطِب المتقدم، ووسائل الترفيه كالتلفاز والألعاب الإلكترونية التي تقضي على الملل، وأهم شيء هو الإنترنت الذي جعل العالم أقرب إلى بعضه أكثر من أي زمان مضى، وهل ميزات عصرنا هذه أكثر من عيوبه؟