نظرة في الجمال ..
أ. طارق سليمان
في الحياة لا شيء براقٌ جميلٌ جمالًا كاملًا .. ولا شيء قبيحٌ دميمٌ قبحًا كاملًا ..
فلا جمال مطلق ولا قبح مطلق ..
بل إن كل الأشياء المضيئة والمشرقة في حياتنا لها جانب آخر داكن و مظلم ..
الشمس التي تشرق فتنير ربوع العالم هي شمس واحدة .. ولكنها تكون حارقة في الصحاري .. لامعة على سطح المحيطات .. دافئة في البراري .. وباردة وخافتة على السهول ..
السحاب الذي يخفي الشمس في الخريف هو نفسه السحاب الذي يحمل المطر ..
المطر الذي يغمرنا بالبلل هو نفسه المطر الذي يغسل الطرقات و يروي حقول القمح ..والورود التي تملاء قلوبنا بالسعادة هي نفسها الورود التي تصيب بعضنا بالحساسية والسعال وضيق التنفس ..
والقمر الذي يتغزل به العشاق هو مجموعة من الصخور لا حياه فيها .. بل إن البدر المنير هو وجه واحد للقمر .. بينما الوجة الآخر هو بارد ومظلم ..
البحر الغادر بالنسبة للبعض .. هو نفسه البحر الذي يحتضن الأسرار وحباب اللؤلؤ بالنسبة للبعض الآخر .. والماء الذي منه كل شيء حي هو الماء الذي يفيض ويغرق .. والنار التي تبعث الدفء هي نفسها النار التي تحرق ..
هكذا هي الحياة تحمل بين طياتها كل المعاني .. وفي النهاية أنت ترى ما يعتمل بداخلك .. ترى ما تسمح لك نفسك برؤيته ..
هناك من يرى الحياه نفوذ وسلطان ورصيد في البنك ..
وهناك من يراها هبه زمنيه للعيش والتأمل والطاعة ..
و هناك من يراها مجرد دار ممر للدار الآخرة ..
وللعلم الكل على صواب .. لكن المسألة مسألة فكر
الاختلاف يكون في نظرتنا والظروف المحيطة بموضوع الحدث
نعم الحيز المادي موجود وقوي وطاغي ومعترف به ولكنه محدود بأرقام وأبعاد وأوزان بينما الحيز الفكري والمعنوي لا حدود له ..

لن تستطيع رؤية الجمال في العالم إلا إذا كان بداخلك قدرًا كافيًا من الجمال يؤهلك لرؤية مثل هذا الجمال .. لذلك ينبغى أن ننمي الجمال بداخلنا حتى نستطيع رؤيته فيمن حولنا .
ومن القصائد الخالدة في ذاكرة الشعوب، قصيدة الشاكي، دونكم أبياتها الحكيمة:
أيّهذا الشّاكي وما بك داء
كيف تغدو إذا غدوت عليلا؟
وترى الشّوك في الورود، وتعمى
أن ترى فوقها النّدى إكليلا
والذي نفسه بغير جمال
لا يرى في الوجود شيئا جميلا

من admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *