أ.رنا جابي
في إحدى ليالي الشتاء الباردة والسماء تعصف بالقنابل والبراميل والفقر يدق جدران البيوت والخوف يملأ المكان، تقدّم شاب يعيش في دولة عربية لخطبة فتاة في ريعان الصبا قد أنهت دراستها الجامعية للتو وبسبب الظروف التي تمر بها البلاد من خوف وجوع وبرد وشتات وافق الأهل ووافقت على الخطبة والزواج رغم الفارق في المستوى الأكاديمي والمعرفي بينهما وبحجة ظروف الحرب لم يحضر بل أرسل مندوبًا من أهله ليتمم مراسم الخطبة وعقد القران ودون حفل زفاف حملت الفتاة إلى عريسها تقلها طائرة محملة بالأمل ومتعة الهروب من واقع مرير وهناك تم الزواج وحملت بجنينها الأول وبعد أشهر قليلة قال: أنا لا أحبك ولا أريدك معي وعليك أن تتخلصي من الجنين…
عادت الفتاة إلى أهلها حاملة جنينها وخيبتها وخذلان أقسى من سنوات الحرب العجاف وبدأت والدته تتردد على بيت أهلها لتقنعها بإجهاض الجنين وأمام الظروف الصعبة استسلمت الفتاة وبعد أن تم المراد اختفى واختفت أمه معه دون أدنى رأفة بالتغييرات النفسية والفيزيولوجية التي تتبع الطلاق والإجهاض….
وفي قصة أخرى تقدّم رجل أربعيني لخطبة فتاة في 14 من عمرها ولأن عمله خارج البلاد ويملك بدل البيت بيتين تمت الصفقة ورحلت الطفلة إلى بلاد المهجر وهي تحمل آمالا وأحلاما واسعة ظنًا منها بأن الزواج فستان أبيض وأغاني وزغاريد وبعد أن أنجبت 3 أولاد ونضجت قليلا اكتشفت أن ما تعيشه مع زوج يكبرها بكل هذه السنوات وهمه الوحيد إنجاب الأطفال منها ليست حياة …. وبدأت المشاكل تتفاقم فما كان منه إلا أن بدأ بالبحث عن زوجة أخرى تصغره على الأقل ب 15 عامًا ليعيد المأساة مرة أخرى علمًا بأن الله وهبه البنين والبنات…
وتحت وطأة النرجسية اختار رجل مريض يعيش بعيدا عن البلاد زوجة في ريعان الصبا مفعمة بالحياة والأمل ليكمل معها حياته ولتخدمه بحجة الزواج ورغم الفرق الشاسع بينمها والاختلاف الفكري والمعرفي والاجتماعي والصحي إلا أنه أصر على البقاء معها بحجة الحب فحملت المسؤولية وأدمنت العمل وعاش هو مهتما بصحته وأمراضه وشكواه التي لا تنتهي…
وكنت قد شاهدت فيلمًا عن قصة لكاتب فرنسي من أصول إيرانية “رجم ثريا” طرحت قصة الفيلم حادثة من أشنع الجرائم الإنسانية والاجتماعية..
ثريا فتاة تزوجت من رجل أربعيني وأنجبت منه 4 أطفال وكانت تعمل خادمة في البيوت لتعين أسرتها.
كان قاسيًّا يضربها أحيانا للحصول على نقودها وعندما اشتدت الخلافات هددها بالطلاق فرفضت حتى تحصل على مستحقاتها المادية التي ستعينها في تربية أبنائها واشتدت الخلافات أكثر عندما علمت بأن سبب إصراره الشديد على النيل من مستحقاتها هو عزمه على الزواج من فتاة في 14 من عمرها مما سيكلفه أموالا طائلة وبعد رفضها علمت بأن الشائعات بدأت تنال من سمعتها بأنها على علاقة بجارهم الأرمل وكانت تضحك وتسخر من ذلك إلى أن استيقظ أهل القرية يومًا على صراخ الرجال بسبب ضرب زوجها لها واتهامها بانتهاك شرف العائلة بل القرية كلها وشهد أربعة من الشهود على واقعة الزنا وحوصر بيتها وسيقت إلى حفرة في ساحة القرية ورجمت حتى الموت….
نال من سمعتها وقتلها حتى لا يدفع لها مستحقاتها ويتزوج ممن يرغب بجريمة لا يعاقب عليها القانون..
كل هذه الحكايات قصص حقيقية نسجتها يد المجتمع الظالم والظروف الحياتية القاسية..
كل هذه المجازر البشرية صنعتها يد الإنسان دون رحمة أو شفقة..
فمن المسؤول عن هذا كله؟!!
وما سبب وأد البنات في مجتمع يدعي الكل فيه التحضر؟
هل لأن المجتمعات تبني سيادة الرجل على أساس القوة العضلية والمادية؟
أم أن علينا إعادة تنشئة الأمهات لأن من يظلم زوجته يكون تربية أم جاهلة مليئة بالعقد وأسرة مفككة متآكلة ينخر بها السوس والعفن..
وهل نلعن الحرب، أم التقاليد، أم التربية؟
وإني لأرى بأن الحل الأمثل لهذه الآفات الإنسانية والاجتماعية هو إعادة تنشئة الوالدين وإخضاعهم إلى ورش عمل تهتم بالتوعية وتعليم الفتيات وتربيتهن على معرفة حقوقهن وواجباتهن وتدريب المقبلين على الزواج تدريبًا يليق بمؤسسة قدسها الله وباركها وأقامها على المودة والرحمة.
نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا**** وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا