أ.خالد جويد
كان شكلا استثنائيًا من أشكال الوفاء ما تعلمناه بين تلك الحروف التي احتوتها سطور دفاترنا على امتداد السنين… شكل ذابت بين خيوطه كل الصور وتلاشت أمامه كل اللوحات التي قاسمتها الجدران غبار الزمن…
باختصار هو نوع من وفاء لفته الأيام بأريج عطرها لتتكسر عند تأمله كل أجنحة الوقت
وفاء منحته الحياة لون الياسمين في صفائه ليعيد لتلك الوجوه بسمتها ويرسم لوحة أخرى بكل ألوان الطيف لتبقى تلك الروح تسكن حنايا المكان…
بالنسبة لي لم يكن أكثر من مجرد ثوب علقته أمي على جدار غرفتها ليتوسط تلك الصور التي غابت عن ملامحها أنفاس الحياة…
لم أكن حينها أدرك خباياه… كل ما كنت أعرفه أن أمي كانت تخبيء النقود في إحدى جيوبه (أظنها اليمنى) وحين كنا نحتاج إليها كانت تقول لنا هي هناك في ذلك الجيب في ثوب أبيك..
لا أدري ما الذي دفع بأمي لتتخذ من ذاك الثوب المعلق فوق مسمار حديدي مخبأ للنقود… لا أدري كيف ظلت تتعهده بطقوسها التي ما نسيتها منذ أن غادرت روحه أفياء المكان.. كانت حريصة أن لا تهترىء خيوطه التي كانت تحمل بين طياتها ألف قصة فرح
وحين كبرت أدركت أن ذاك الثوب لم يكن يشبه تلك الصور المعلقة فوق الجدران… لم يكن يشبه تلك اللوحات التي تقاسمت ألوانها أغبرة السنين…. كان بالنسبة لها ثوبا تسكنه روح… هي روح أبي… تلك الروح التي كانت أمي تأبى أن تغادر المكان.. أو أن تنزوي خلف كواليس النسيان لتطوي ذكرى تعلقت فيها بكل تفاصيلها …. أي وفاء هذا….. وأي أم كنت يا أمي