ياسمين الأربعين ..
في الأشهر الماضية القريبة أنهيت من سنين عمري العقد الرابع فرأيتني في جلسة تقييم مع نفسي وإذ بطيف بيت شعر لجرير يتمثل أمامي
أرى مرَّ السنين أخذن مني
كما أخذ السّرار من الهلال
وبات يراعي يخطّ بعض الكليمات :
بعد الأربعين بات إحاسي مرهفاً جداً
وكنت أجدني قبل ذلك قاسي القلب لا أتأثر بالملمّات والمصائب و الدّمعة دائماً متحجرة في محجرها علماً أني دائم الإبتسامة لطيف المعشر خافض الجناح لإخواني وهذا ليس من باب التزكية بل من باب وأما بنعمة ربّك فحدث وهذا بإقرار الأقران ورفقاء الطريق وهذا اختلاف عجيب بي ( لطيف معشر قاسي قلب )
بعد الأربعين بتُّ أكثر إتزاناً وأكثر إبتعاداً عن الجدال بل حتى المناقشات
بعد الأربعين بتُّ لا أستطيع مشاهدة الفيديوهات التي يقع فيها ظلم على المستضعفين وباتت الدمعة حاضرة بعد أن جفّت في مآقيها في العقود المنصرمة
بعد الأربعين بتُّ أكثر عاطفة اتجاه الأطفال فباتت تميتني دمعة طفل وتحيني إبتسامته
بعد الأربعين بتُّ أنظر لبعض القناعات والتصرفات التي كنت أقوم بها وأقول ما كان ينبغي لمثلك يا ياسر أن تكون كذلك
بعد الأربعين بتُّ أدرك أهمية الوقت وكم أضعنا منه في نقاشات وأمور ما كان ينبغي أن نعطيها ذاك الجهد والوقت
بعد الأربعين أمسى عندي مراجعات كثيرة لبعض القناعات التي أمست غير صالحة في هذا الزمان
بعد الأربعين بتُّ أنظر الى المرآة فأجدني لا أشهبني
بعد الأربعين أراني منسجماً مع نفسي ومتصالحاً مع الحياة وواقعياً
عن سن الأربعين قرأت أنه هذا العمر ( مثل مرحلة تفتح الوردة الى اقصى درجاتها )
بعد الأربعين أراني أردد باللا إرادة آية الأربعين في سورة الأحقاف ( حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال ربي أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين )
في سن الأربعين بتنا نرى بعض البرود اتجاه قضايا أمتنا من قبل شعبنا المقهور الذي لطالما كان مع قضايا أمته ليرى كيف تخلى عنه الجميع ..
لكن أراني متشبثاً بها ولم تغيرني السنين اتجاه هذه الثوابت قيد أنملة
في سن الأربعين باتت الأحداث والقصص التي كنّا لا نقف عليها ولا نعير لها اهتماماً في ريعان الشباب
محور تركيز وتأمل فقبل أيام شهادت طفلة تداعب قطتها وبات أبوها يشرح لي فوائد هذا القط في المنزل والطفلة سارحة مع قطّها ثم نظرت إليّ وقالت ( عمو ليش ما تجيب لأولادك متلها ) فشدني بالأمر كلمة ( عمو ) نظرت إلى زجاج بالقرب مني وإذا بالشيب قد وخط صدقيّ والصلع قد نال من أعلى رأسي ( وهذا غرابة إذا ليس بالعائلة وراثياً من به صلع ) وسبحان الله قبيل هذا الموقف بأيام قال لي طفل يقف بجوار والده الذي أكلمه ( عمو شوفني صورة أولادك بالجوال )
عمو ..عمو .. فعلاً بتُّ الآن عمو .
✍ ياسر الطائي

آنسك الله بقربه وبارك في عمرك وكلنا في طريق العودة إلى الله سائرون.