الجولان
” راية تخلف أبناؤها عن حملها ”

للحب أنواع كثيرة أنبلها حب الوطن لا يتعلمه الإنسان وإنما يفطر عليه فحاجة الشعور بالإنتماء ضرورية لتكتمل إنسانيته ,عندما يولد في وطنه يبقى دافئا منسجما مع ذاته وهويته متفاعلا بصورة إيجابية مع العالم .
إنه لأمر محزن أن كثيرا من السوريين لا يعرفون سوى قصاصات هامشية عن أرضي التي نفيت عنها قبل أن أولد على ترابها حتى في خضم تزاحم القضايا في منطقتنا وإلى أن تشرق الشمس في بلادنا وينفض الأبطال غبار الهزيمة عن جباههم لابد أن نستمر ببعث الحياة في رواية تخلف أبناؤها عن حمل رايتها …
كلما سألني أحدهم عن أصلي امتلأت فخرا إذا ما تلفظت بالجولان المحتل فلطالما ظننت أنني أدين له بأن استمر بالصراخ بإسمه مذكرة الناسين ومعرفة الجاهلين …. منذ الطفولة ووالدي يكرر على مسامعي قصة نزوحه من الجولان السوري المحتل حتى ويكأنها الصورة التي طبعت في ذاكرتي كواقع أنتمي إليه ما حييت وجزء أصيل من كينونتي …
طفل لم يتجاوز العاشرة يمسك بثوب والدته الأسود الفضفاض التي تحمل أخته الأصغر بيديها متشبثا” بكل قوته يحاول اللحاق بخطوات والدته الكبيرة المسرعة باتجاه مجهول لا يستطيع إدراكه كل ما يشغل تفكيره في تلك اللحظات أنه وعلى الرغم من خوفه من النظر للخلف الذي استلبه الشبح الإسرائيلي أن لوكان بإمكانه أن يحمل بيته في يده الآخرى ليغفو قليلا بعد كل هذا العناء …..

الجغرافية :
تبلغ مساحة هضبة الجولان الإجمالية 1860كم2 أي ما يعادل ا% من مساحة سوريا ….
ذات موقع استراتيجي فهي كقطعة الوصل بين بلاد الشام الأربعة التي تشكل سوريا الطبيعية قبل سايكس بيكو يحدها من الشمال مرتفعات جنوب لبنان وفي الشرق امتدادها السوري وادي الرقاد وأما من الجنوب فوادي اليرموك ونهر الاردن وفي الغرب فلسطين المحتلة وبحيرة طبريا …..
تضاريسها ناتجة عن اندفاعات البراكين المتموضعة في غور الإنهدام السوري الافريقي هذا ما يفسر سطحه الحجري البازلتي … في الشرق الشمالي من الجولان ترتفع سلسلة من التلال والجبال حيث يبلغ أعلاها تل ابو الندى 1200م فوق سطح البحر لتبدأ بالإنخفاض التدريجي جنوبا حيث تتراوح الأرتفاعات بين 900 و 300م بين الشمال الشرقي والجنوب الغربي ويستمر الإنحدار حتى شاطئ بحيرة طبريا 212م تحت سطح البحر …
أي أن الهضبة تشكل برج مراقبة عالي التحصين طبيعي في المنطقة يجمع بين التلال المرتفعة والوديان السحيقة لذلك كان لابد أن تكون هدفا لازما لضمان أمن الإحتلال في فلسطين…
المناخ :
بين الشمال البارد جدا على مدار العام حيث تغطي الثلوج قمم جبل الشيخ والتي يستثمرها الإحتلال كمنتجعات للتزلق والسياحة الشتوية وبين دافئة في الوسط حيث تتدرج درجات الحرارة كلما هبطنا جنوبا وصولا لدرجات حرارة تتجاوز العشرة شتاء على شاطئ بحيرة طبريا والتي تستثمر كمشاتي دافئة والأمر أن الجولان هو مكان التقاء التيارات الهوائية الباردة القادمة من فلسطين المفتوحة على البحر غربا مع التيارات الدافئة القادمة من سوريا الداخلية شرقا …
ويتجاوز معدل الهطول المطري على مدار العام المليار متر مكعب سنويا في حين أن الجو الذي تزيد الرطوبة فيه عن 80% يمثل سدا قويا في تخفيف تبخر المياه في السيول الناتجة عن ذوبان الثلوج صيفا لتصل المياه الجوفية قرابة 120مليون متر مكعب مياه متجددة تتفجر منها الينابيع التي تزيد عن ال75ينبوع متوزعة في أراضي هضبة الجولان أكبرها يقع في الجنوب ذو مياه حارة معدنية ….
لابد من التنويه إلى أن هذه الثروة المائية العذبة هي من أهم الدوافع لتمسك الإحتلال بالجولان مضافا طبعا للموقع الاستراتيجي الذي اسلفنا ذكره…
الثروات :
على الرغم من أن الجولان يفتقر للثروات الباطنية المعدنية إلا أن تربته الخصبة والثروة المائية والمناخ المتنوع أدى بالضرورة لتنوع المحاصيل الزراعية لتكون مركزا رائدا في الزراعة وتربية الحيوان حيث تتجاوز مساحة الأراضي القابلة للزراعة ال100الف هيكتار لم يزرع منها سوى 40الف هيكتار حتى عام 1966 حيث في الشمال البارد انتجت التفاحيات والحمضيات والزيتون والخضر في الوسط المعتدل بينما في الجنوب الدافئ انتجت الموز..
تذكر الوثائق أن الجولان قبل الاحتلال كان مصدرا للمنتجات الزراعية والحيوانية لكل من الداخل السوري والغرب الفلسطيني….
التاريخ :
وأما تاريخ الهضبة و لأنه الممر الإستراتيجي المهم فقد اتصف بعدم الإستقرار فكان نقطة نزاع دائمة بين القوى المتصارعة في المنطقة ..
أول ذكر للجولان كان في رسائل تل العمارنة بمعرض الإتفاق المصري الحثي 1286ق.م وضح تبعية الهضبة وما يحيطها للمملكة الفرعونية .
ثم خضع لسيطرة الآراميين حتى سقوط دمشق بيد الآشوريين 732ق.م
مع سيطرة الفرس على المنطقة بالقرن الخامس وقع تحت سيطرتهم أما فيما بعد القرن الرابع ق.م فإستمر خضوع الجولان للحكم اليوناني السلوقي ثم الروماني ثم البيزنطي كنقطة إرتكاز لم يفرط بها الروم حيث دعموا الغساسنة المتمركزين في الجولان وحوران في وجه المناذرة المدعومين من الفرس.
فقد تجاوزت المواقع الأثرية التي تم رصدها في الهضبة 211 موقع آثري يعود لتلك الحقب المتنوعة حتى يومنا هذا …
مع الفتح الاسلامي للمنطقة وسيطرته على كامل بلاد الشام حتى الأناضول شمالا تحولت الجولان لمنطقة داخلية تراجعت أهميتها الإستراتيجية كبرج مراقبة حدودي الى أن هجر تماما إبان الغزوات الصليبية وبات مرتعا” لقبائل العرب البدو لتفرض الدولة العثمانية سيطرتها على كامل المنطقة العربية ورعتها في سبيل تحسين طرق المواصلات الداخلية لتقوية التجارة ضمن الدولة فعمدت الى إسكانها مجموعات من التركمان وكذلك مجموعات الشركس الهاربين من العدوان الروسي على دول البلقان 1864م..
مع خسارة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى1923 وتحييدها وإنحسارها في حدود تركيا الحالية تم تقسيم المنطقة العربية الى دويلات خاضعة للاحتلال المباشر من قبل بريطانيا وفرنسا لتعود الجولان الى مركزيتها حيث كانت الهضبة الخط الحدودي الواقع في سوريا الفاصل عن فلسطين التي تم إعلان قيام دولة الكيان الصهيوني على أراضيها 1948 ليتم في عام 1949 توقيع الهدنة المشتركة والتي بموجبها تم تصنيف الجولان كمنطقة منزوعة السلاح ضمن أربع قطاعات بانياس والجولة والحمة وشريط طبريا ….
ليقوم الاحتلال الاسرائيلي في حرب1967 باحتلال الجولان مع سيناء والضفة الغربية وغزة ولم يتم إضفاء أب صفة رسمية على هذا الإحتلال حتى عام 1981حيث أصدر الكنيست الاسرائيلي قرارا يعتبر الجولان أرضا اسرائيلية متجاهلا قرار مجلس الأمن 497الذي يندد باحتلال الجولان ويؤكد على عربيته وقد كان لأهالي الجولان المحتل أن اصدروا الوثيقة الوطنية التي لا تعترف بالاحتلال وإعلان الأضراب العام 1982
وقد تم استرداد حوالي 29قرية في حرب 1973من أصل 171قرية تم احتلالهم بما يعرف اليوم القنيطرة المحررة التي ماتزال لليوم تحمل آثار التدمير الاسرائيلي…
وأما الإعتراف الرسمي الأول دوليا بإسرائيلية الجولان فقد كان 2019 عندما أعلن ترمب اعترافه بسيادة اسرائيل في الجولان…
السكان :
المستوطن الأول للهضبة هم الكنعانيين وقد استمرت القبائل العربية امتداد لهم حيث الغالبية العظمى التي تم تهجيرها هم من العرب يتجاوز تعدادهم 135الف اضافة لقرى الشركس والتركمان والمسيحين وقد عمدت اسرائيل الى اقامة حوالي 40 مستوطنة بتعداد لا يتجاوز 17الف مستوطن لتخلق نوعا من التوازن مع تعداد الدروز حوالي 16الف نسمة الذين لم تستطع اسرائيل إخراجهم من قراهم مجدل شمس وعين قينة وسعدة ….

إن ارتباط أبناء الجولان سواء الجيل الاول والذي فني معظمه بعد النزوح عام 1967 أو الجيل الثاني الذي ولد على تراب الجولان أو حتى نحن أبناء الجيل الثاني الذي لم يألف عبق البابونج البري هو ارتباط وجودي هوياتي يتعلق بمخزون الذكريات الهائل الذي تشربناه من حكايا أباؤنا وأجدادنا فقد اصبح جزء أصيل في كينوناتنا …
فالجمال الذي ينعكس بريقه في مستقبلي أصله تلك الصورة المحفورة في داخلي والتي لم اعشها …
ارتدي فستانا تقليديا اسير ضاحكة فوق مرج من الاقحوان الابيض تحتويني سماء بغيوم وديعة فيما تداعب راحة يدي سيل مياهه عذبة….
إن الهوية لا تزول بزوال الإنسان نفسه حتى وإنما يورثها لأبنائه
يغرسها غرسا في ضمائرهم …جيلا” بعد جيل ..
عسى يوما يعودون
كتبه خولة طه

من admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *