الهولوكست
الكارثة …كيف تسمح البشرية بتكرارها؟؟؟؟
يصادف ٢٧كانون الثاني من كل عام الذكرى السنوية لإحياء الهولوكوست حيث تقوم دولة الكيان الصهيوني بفعاليات في أوروبا وامريكا من أجل التأكيد على مظلوميتها في تلك المأساة ولتذكير العالم بواجبه الإنساني اتجاه حماية اليهود كونهم وقعوا ضحية اكبرعملية تصفية وجودية لعرق أو دين في العصر الحديث وتعمد لإنشاء المتاحف والمعارض والنصب التذكارية وفاءاً لضحايا المأساة لمدة تتجاوز الأيام وتستمر خلال شهر شباط أحيانا …
منذ سنتين تقريبا ارتأت أن تقوم إحدى الجمعيات الإسرائيلية لأول مره بإنشاء معرض في اندونيسيا الدولة ذات الغالبية المسلمة على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بين الطرفين …المعرض كان بعنوان
“””” الكارثة… كيف سمحت البشرية بحدوثها؟؟؟”””
العنوان الذي يحمل الكثير من العتب واللوم اتجاه التقصير الذي أبداه المجتمع الدولي للحيلولة دون وقوع مثل هذا السلوك الهمجي بحق مجموعة بشرية لا لشيء سوى أنها تحافظ على طابعها المختلف كانت في موضع الأضعف..
واذا كان لابد من أن يكون لهذا السرد الذي أعرضه من عنوان فلابد أن يكون “الكارثة… كيف تسمح البشرية بتكرارها؟؟؟؟”
تعريف الهولوكوست:
لفظة الهولوكوست يونانية الأصل تقال للقربان الذي يقدم للآلهة من خلال حرقها كاملا عند المذبح ولكن اليهود يرفضون تسميتها هذه لما فيه ظاهرا من أن المأساة التي لحقت بهم كانت قربان لإرضاء الرب وتسمى بالعبرية هشواء وتعني الكارثة…
تذكر التقارير أن الضحايا تتجاوز أعدادهم ال٦مليون يهودي أي مايعادل ٦٣٪ من يهود أوروبا بينهم قرابة ال٣مليون تم تصفيتهم في معسكرات بولندا..
مع وصول الحزب النازي للحكم في المانيا متبنيا خطاب سيادة العرق الآري وإعادة بناء مجد المانيا بعد هزيمتها بالحرب العالمية الأولى استطاع هتلر استنهاض المشاعر القومية لذروتها لدى الألمان متبعا سياسة تقوم على:
اولا: بدأ نشر توجه عام في الصحف والاجتماعات العامة بضرورة إعادة بناء تصور “المانيا العظمى المثالية” التي لن يكون قادرعلى بناءها من جديد الا العرق الآري ولا يمكن لغير الألماني أن يكون جزءا منها ,لم يكن اليهود وحدهم المستبعدين بل الغجر والأقليات الأخرى وحتى ذوي الاحتياجات الخاصة والأمراض المزمنة ..
ثانيا: نزع سمة الانسانية عن اليهود والغجر ووصفهم بالمرض والعدوى والجهل ووصمهم بسوء الحظ الذي يمثل العبء الثقيل على كاهل الألمان والعائق في سبيل نهضة المانيا القوية وأنه لابد من التخلص منهم كتضحية لتحقيق الهدف وذلك من خلال عزلهم دون أي تعاطف, أي تكريس صورة نمطية عن اليهودي كأعشاب الحقل الضارة التي لابد من إقتلاعها دونما رحمة ..
ثالثا: تم سن القوانين التي تلزم اليهود بارتداء الشارات المميزة لهم ووضع علامات خاصة بهم على محالهم التجارية لمنع الشراء والبيع وكذلك منع مخالطتهم وتنظيم تجمهرات شعبية ضدهم, أهمها:
ليلة الزجاج المكسور : مع حلول مساء ٩نوفمبر ١٩٣٨ وحتى صباح ١٠نوفمبر تم مهاجمة بيوت ومعابد اليهود في المانيا والنمسا وتكسير النوافذ وسرقة المحتويات للكثير من المراكز التجارية وقتل قرابة ال٩٠يهودي وسوق ٣٠الف للمعتقل إلا أن السلطات أعلنت أن الأمر لم يكن منظما من قبل منظمة شباب هتلر التابعة للحزب النازي كما كان معروفا وانما هو رد فعل شعبي عفوي على اغتيال الدبلوماسي النازي إرنست فوم راث..
في أعقاب ذلك تم تغريم الجالية اليهودية بدفع الغرامة بالأضرار وكذلك تم البدء رسميا بمصادرة املاك اليهود وترحيلهم…
رابعا: الإعلان رسميا عن إنشاء الغيتوات التي تفصل اليهود عن باقي المجتمع الألماني وكذلك الغجر وتجريم اخفاءهم وتم البدء بترحيلهم وتعيين مجالس يهودية مهمتها إدارة هذه الغيتوات وتحت امرتها الشرطة اليهودية المسؤولة عن حفظ الأمن في الغيتو كما أنها تشرف على تنفيذ جمع الأسماء التي تضعها المجالس اليهودية والتي لابد من ترحيلها إلى مراكز القتل لاحقا واللافت بالأمر أن اليهود بداية ظنوا أن هذا العزل سينصب في مصلحتهم متخلصين من العنصرية التي كانوا يتعرضون لها من المجتمع الألماني وتغذيها النازية .
الغيتو: يعود تاريخ نشأة اول غيتو إلى ذلك الحي الذي قامت البندقية عام ١٥١٦ بتأسيسه جامعة فيه كل يهود المدينة .وبعد إصدار القرارات بعزل اليهود تم إنشاء أول غيتو في أكتوبر ١٩٣٩ في بولندا في بتركوف تريبونالسكي وقد تلاه إنشاء الألف غيتو في بولندا المحتلة والإتحاد السوفيتي .
ومع بدأ الحرب العالمية الثانية كانت الغيتوات محتشدة باليهود والذين تم نقلهم بالسكك الحديدية من شتى أنحاء أوروبا التي تخضع للنازيين. ولابد من ذكر أنها كانت بؤرة للأمراض وتعددت أسباب الموت فيها بين الجوع والمرض والإعدام الميداني والموت أثناء أعمال السخرة كل ذلك لا يقل بشاعة عن أن حقيقة الغيتوات اصلا قائمة على أنها محطة مؤقتة تم اتخاذ قرار نازي لاحقا بأن هذه المسألة اليهودية تحتاج إلى حل نهائي ليفضي هذا الحل إلى التصفية الجسدية سواء خنقا بالغاز أو حرقا بالأفران، فيما أكبر غيتو في بولندا بوار صوفيا فيه ٤٠٠الف نسمة في مساحة لا تتجاوز ١,٤ميل مربع.. حيث كانت الغيتوات تتفاوت بالمساحة والغرض المنشأة له وهي على ثلاثة أنواع الغيتو المغلق والمفتوح والغيتو للتدمير.
المسألة اليهودية والحل النهائي:
إن إشكالية الوجود اليهودي في المجتمعات الأوروبية ودمجهم مشكلة تبلورت منذ القرن التاسع عشر الميلادي ومع وصول الأحزاب القومية إلى سدة الحكم في القرن العشرين في دول أوروبا وصل خطاب الكراهية والتحريض ضد الأقليات إلى أوجه وقد كان للحزب النازي بقيادة هتلر النصيب الأكبر في المانيا والنمسا والاقاليم التي احتلها باستعداء الأقليات على رأسهم اليهود والغجر وتم ترويج أن الغيتوات التي ستعزل اليهود ستكون حلا لهذه المسألة فقد مثلت للألمان بداية عبارة عن إجراء وقائي لوضع اليهود تحت المراقبة وفصلهم عنصريا لا اكثر فيما تبين لاحقا أن القيادة النازية كانت قد اتخذت القرار بالتصفية النهائية بما عرف بالحل النهائي والذي أقر في ٢٠يناير عام ١٩٤٢ عشية اجتماع كبار الحزب النازي في برلين .
كيف تستخدم إسرائيل الهولوكوست :
لفهم هذا السياق ينبغي معرفة أن حكومة الكيان الصهيوني خاضت لملاحقة النازيين بدعم مطلق من المنتصرين في الحرب العالمية الثانية عدة معارك على اكثر من جبهة
أولها التعويضات : في أيلول ١٩٥٢ وقعت الحكومة الألمانية اتفاقية لوكسمبورغ مع دولة الكيان الصهيوني بصفتها وارثة حقوق يهود ضحايا المحرقة والتي تلتزم من خلالها بدفع مليار ونصف يورو خلال ١٢عام وضفتها في توطين المهاجرين من اليهود كما تعهدت بدفع معاشات لليهود المتضررين ١٩٣٣حتى ١٩٤٥ بالمقابل إعادة دمج المانيا ضمن المجتمع الدولي، كذلك في 29اوكتوبر ١٩٩٢ وقعت اتفاقية تعويضات الإجمالية التي ذكرتها الحكومة الألمانية أن التعويضات منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية تجاوزت ٦٣مليار يورو عام ٢٠١٠.
ثانيها استصدار قوانين دولية ومحلية بإدانة أي طرح نقدي لسلوكيات دولة الكيان الصهيوني في الكثير من الملفات الداخلية والخارجية واهمها الاتهام ب “معاداة السامية” لكل من ينتقد سياساتها اتجاه العرب الفلسطينيين سواء في الاراضي الخاضعة لإحتلالهم المباشر أو الغير مباشر في الضفة الغربية وغزة.
ثالثها ترويج سردية المظلمة التاريخية التي تصور دولة الكيان الصهيوني كحصن الأمان الأخير لليهود ضحية الهولوكست في مواجهة المخاطر المحدقة في الأوساط الثقافية والتعليمية والأدبية في مختلف انحاء العالم من خلال دعم نشاط المنظمات اليهودية بتنظيم الفعاليات والمعارض والأعمال الفنية .
بين إدانة الهولوكوست واستغلالها :
لا يمكن لإنسان سوي إلا أن يزدري مثل هذا السلوك الهمجي, قتل الناس وتشريدهم وتغريبهم عن مجتمعاتهم لإختلافهم المذهبي أو العقدي أو الفكري سلوك يندى له جبين الإنسانية.. إن الموقف الذي اتخذه البعض في تخبأة بعض الملاحقين من النساء والأطفال متحدين فيه صرامة النازية والعواقب التي قد تصل للموت حتما موقف مشرف, أعملوا عقولهم في زمن الدولة التي تهمش كل العقول إلا عقلها وإن كان مهلكا لرعاياها وللأخرين واستمعوا لصوت ضمائرهم في زمن لا صوت يعلو فوق صوت القوة لربما كانوا قلة مقارنة بالمجموع اللامبالي اتجاه جريمة مخططة بدقة في التفاصيل والتنفيذ استمرت حتى بعد ظهور إمارات هزيمتها بالحرب فقط لأن النازي القوي قرر أن سواه لا يستحق البقاء تماما كما يحدث اليوم في غزة والطريق الذي تنتهجه حكومة الكيان الصهيوني في سبيل اجتثاث أي أخر سواء كان ذاك الأخر خصما في الميدان اورضيعا في حضانة مستشفى او طبيبا رفض ترك مرضاه.. وهذا ما أشار الى خطورته زيغمونت باومن في آلية تناول حادثة الهولوكوست ضمن سياقين الأول وكأنها حادثة خاصة استثنائية بالتراث التاريخي اليهودي “لخصوصية اليهود دون غيرهم” لذا سيتم العمل على الحرص على عدم تكرارها {يفسر سلوك العالم وهرولته لدعم الكيان الصهيوني بعد احداث السابع من اكتوبر} والسياق الثاني تصنيفها ضمن نزعة الشر التي تمتلكها كل المجموعات الانسانية الكبرى اتجاه المجموعات الاصغر عبر التاريخ البشري والتي لم تهذبها بعد الدولة المدنية الحديثة …
في كلا السياقين ذكر باومن تعمد الأوساط الأكاديمية التنظيرية في المؤسسات الغربية تجنب قراءة الهولوكوست على أنها عملية طبيعية وليست “استثنائية” انتجتها الدولة الحديثة الغربية كألية تم اعتمادها في تحقيق نموذج الهندسة الإجتماعية الأمثل التي تهدف الحداثة لخلقه، بدا الأمر كله وكأنه يحتاج الى تكنولوجيا أفضل لا معالجة النموذج نفسه . ليقول واقتبس:
“الضوء الذي تسلطه الهولوكوست على معرفتنا بالعقلانية البيروقراطية يحيرنا أشد حيرة عندما ندرك ان فكرة الحل النهائي للمشكلة اليهودية هي إحدى نتائج الثقافة البيروقراطية ”
بمعنى أن الإجراءات التي أوصلت إلى نهاية مأساوية كالهولوكوست هي نتيجة طبيعية لهذه الثقافة والتي لا بد من تكرارها وهذا ما يجيب لربما على التساؤل الذي تجد نفسك عاجزا عن تجاهله كيف وصلت غزة لتكون اكبر معتقل مفتوح ؟ كيف تمت إعادة كل الخطوات أمام أعين العالم حتى وصلت غزة الى واقع إمكانية منع إدخال مياه الشرب إلى القطاع الجغرافي الأكثر إكتضاضا” على سطح الأرض بتعداد سكاني يتجاوز المليونين إنسان …
واذا كنا في منطقتنا مازلنا نسعى لبناء مثل هذا النموذج الحداثي كنموذج “يروج له أنه الأمثل عبر التاريخ الإنساني” فلابد ان نحيط علما بوجهه الآخرالأكثر ظلمة.
كانت الهولوكوست عملية سخر فيها النازيين كل وسائل الدولة المتاحة لاقصاء الاخر” اليهودي “والتخلص منه لتجد اليوم ان الدرس الوحيد الذي تعلمه النموذج الحداثي الغربي لا ان ينادي بالتوقف عن إقصاء الاخر وإنما إقصاء الآخر بكفاءة تقنية أعلى.
كيف تسمح البشرية بتكرارها ؟
إن التعامل مع الهولوكوست على أنه حادث تاريخي مر ولن يتكرر هو من السذاجة بمكان واقتصار تناوله بيوم عالميا في طقوس استعراضية و احتفالات شكلية بمؤتمرات خطابية والتعامل مع مآسي الناجين بحزن وقليل من التجهم على الوجه ما هو إلا تفريغ لحقيقة هذه المأساة والدور المطالب بلعبه حقا وتجعل المجتمع الدولي الذي يدين النازي في مشكل أخلاقي قيمي إزاء تجاوزه عن ممارسة الجماعات اليهودية والتي تحولت لدولة مارست ذات السلوك مع الشعب الفلسطيني وتمارسه …
نهاية ليوبايك رئيس الهيئة المركزية لليهود والألمان قال:::
لا شيء محزن كالصمت …
فعلا لاشيء محزن كالصمت اتجاه معاناة الآخرين وتعرضهم لعملية سحق ممنهجة معلنة لكيانهم وهويتهم لاختلافهم الديني والعرقي كالذي يتعرض له اليوم الفلسطيني في أرضه وعلى مدار أكثر من سبعين عاما …
طمس الهوية الفلسطينية وتشويه أي مظهر من مظاهر المقاومة ضد هذا الاحتلال وسرقة التراث والتاريخ والأرض الذي تمارسه دولة الكيان الصهيوني والذي يتجسد في أقبح اشكال العنصرية سواء في بناء جدار الفصل العنصري والاستمرار في بناء المستوطنات بشكل توسعي مخالف حتى لما سنه القانون الدولي ناهيك عن التهجير القسري والإعتقال التعسفي والأهم إنكار حق العودة بحق أكثر من سبعة مليون فلسطيني وقرابة ال٢٠٠الف سوري إلى الجولان المحتل كل هذا على مرآى العالم دون أي تحرك للحيلولة دون تكرار الكارثة التي لا تنفك دولة الكيان الصهيوني بالتساؤل كيف سمحت البشرية بحدوثها …
هكذا سمحت … بالصمت …

كتبه خولة طه

من admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *