ثلاث عشرة سنة من أجل التغيير
تأتي الذكرى الثالثة عشرة للانتفاضة السورية، ليمر علينا ثلاث عشرة سنة من النضال والسعي من أجل التغيير، وكانت مليئة بالدماء والبطش والقتل والاعتقال، معاقبةً للشعب لأنه طالب بالتغيير.!
أربعة وخمسون سنة لم تكفِ من حكم الأب والابن فيما يسمى زوراً جمهورية.!!
لم يمر على سورية أن حكم خليفة أو رئيس كما حكم حافظ أسد، فكانت مدة حكمه أطول من مدة حكم معاوية بن أبي سفيان (661 – 680) والخليفة عبد الملك بن مروان (680 – 685) وهشام بن عبد الملك (724- 744) هذه الفترة من الحكم في حكم جمهوري كما يزعمون، ثم يحكم الابن 24 عاماً إلى اليوم وكان جلها بالقتل والحروب والدماء كلفت الشعب السوري إلى اليوم أكثر من نصف مليون شهيد وأكثر من مئة ألف معتقل ومغيب قسري، إضافة إلى نصف الشعب السوري لاجئ ونازح.
كل هذه التكلفة من أجل التحرر، والانتقال الديمقراطي، مع الظروف الخارجية وحساباتها، والمناخ الدولي السياسي، إضافة إلى أداء قوى الثورة والمعارضة، حال دون رغبة وهدف الشعب السوري، وهذا الانفجار المجتمعي الكبير، الذي انفجر في 2011م نتيجة الضغط الذي ولّد الانفجار بلحظة تاريخية، وهو حالة حتمية لكل ما عاشه ويعيشه هذا الشعب، وقد دفع في سبيل ذلك ضريبة كبيرة جداً ولايزال وضع الحل السياسي محشور باستعصاء سياسي عصيب بتدخل دولي لاسيما حلفاء النظام.
انطلقت تلك الثورة بعناوين حضارية تتطلع إلى الحرية والخلاص، وأن يلقي الشعب عن كاهله هذا الحكم الديكتاتوري الذي يشبه العصور البدائية والوسطى، فالحاكم الذي يملك كل شيء، الأرض والشعب والمقدرات..!
ثم ما لبثوا أن أغرقوا هذا الحراك الحضاري بالمشاريع الضيقة والصغيرة والجهوية، وكل الأمراض والأهداف الفكرية الأيدلوجية الضيقة المريضة، وبقي الشعب يواجه ويلفظ هذا الخبث مرة تلو مرة، دون إنصاف حقيقي لمطالب هذا الشعب المحقة، ونتيجة مطالب هذا الشعب، مُورست ضده كل الانتهاكات لجبره للعودة لبيت الطاعة مسلوب الحقوق الإنسانية البشرية البسيطة، وبنفس الوقت بقيت البنية الداخلية للقوى الوطنية بُنى ضعيفة وهشة، تتجاذبها الصراعات الفكرية والكسبية، والأهداف الدولية.
وبقينا بحالة استهجنت دور الضحية، بحالة من التشتت والتفرق والتحطيم الذاتي والتآكل الداخلي، دون تدعيم حالة البنية الداخلية ودون قيادة حقيقية فاعلة تمتلك الخبرة والقدرة قادرة على تغيير قواعد الصراع التي تم تثبيتها بصورة مضرّة بسورية والسوريين، وحتى بالمنطقة، وتستنزف ما تبقى، وتحولت لحالة التدمير الذاتي نتيجة الجمود السياسي، وانسداد أفق الحل، وهناك شعور عام بضرورة تغيير هذا الواقع لكن دون معرفة حقيقية أو قدرة على تغيير هذا الواقع، فبقيت بحيز الرغبات في عالم التنظير والمحاولات غير الجادة أو غير الصحيحة.
بعد كل هذه السنين نحن أحوج ما نكون إلى ذهنية جريئة بالتفكير والتنفيذ
فالثورة ليست هدف بذاته، وإنما هي وسيلة لتحقيق هدف، وقد انحرفت المفاهيم لجعل الثورة هدف بذاته.!
بل هي حقيقة أداة تغيير، تُستعمل لتحقيق هذا الهدف من التغيير خلال زمن لا ينبغي أن يطول، وإلا ستكون ارتداداتها سيئة.
واليوم تحولت الساحة السورية إلى حالة الدولة الفاشلة في سورية، تعاني من فشل إداري ذريع في الجغرافيات الثلاث أو الأربع المتمركزة في سورية، وهذا خلق فراغ أمني كبير بات يهدد المنطقة ككل، وهو أسوأ حالة حصلت في المنطقة، مع انسداد أفق الحل ودون مبادرات وخطوات جادة وجريئة للبنية الداخلية لقوى الثورة والمعارضة.
لذلك أقول وفي هذه الذكرى، أن علينا دور كبير لإيصال صوتنا ونضالنا الحضاري الوطني الديمقراطي، ولابد من مبادرات عملية واقعية جادة تنصف نضال السوريين الذين أرادوا حياة كالحياة فقط.
وآن الأوان لقوى المعارضة أن تلملم جراحها وطاقاتها، وتتوقف عن حالة التحطيم الذاتي، والتآكل الداخلي، لتثبت قدرة وإمكانية وحضور بظل ما يجري وسيجري.
قضيتنا قضية حق وقضية عادلة لكنها تحتاج مدافعين أكفاء، وسعي حثيث جاد.
والعالم يحترم القوي والمنظم، ومن هو قادر أن يمنح مصلحة ويحترم صاحب الإرادة المصمم على هدفه.
أما بحالة الترهل هذه والتعثر فندور في حلقة من الضياع المستمر، فصحيح أن السنين طالت لكن الفرص أكبر بظل دولة تتعثر وتحولت لجباية من الشعب لتعيش وتستمر.!
حتى صارت مثالاً للتندر، لكن هذه الفرصة تحتاج قوى ببنية منظمة وقوية قادرة تستفيد من كل الظروف لذات الهدف، إلى أن يتوفر مناخ دولي، أو تخلق هذه القوى واقع للتغيير والخروج من هذا الانسداد المقيت الذي يمر على حساب مزيد من المآسي للسوريين، والتغيير حتمية تاريخية ولابد منها طال الزمن أم قصر، وبات التغيير اليوم أقرب، لكن نحتاج أن نكون على حجم القضية قولاً وعملاً.
د. زكريا ملاحفجي