الكاتب: أحمد مظهر سعدو
لم يألُ جهدًا كل نشطاء العمل الوطني في السويداء وجبل العرب، ومنذ انطلاقة حراكهم، وحتى الآن على اقتراح المزيد والعمل على إعادة انتاج ما هو مفيد للحراك والثورة السورية، وقد دأب نشطاء الحراك الوطني السوري في محافظة السويداء وجبل العرب بالاشتراك مع الكثير من حالات الحراك الوطني السوري الأخرى، على امتداد الساحة الوطنية السورية، في محاولة إنتاج ما هو متقدم ومتطور عن منتوجات العمل الوطني السابق، وخاصة انطلاقًا تأسيسًا على ما سمي في حينه بوثيقة “المناطق الثلاث”، التي تم إطلاقها بتاريخ ٨ آذار/ مارس ،٢٠٢٤ وقد أضحت هذه الوثيقة الجديدة المنتجة حديثًا تضم تجمعات وتنظيمات، أكثر عددًا، وأكثر اتساعًا، على نطاق الجغرافيا السورية. حيث شملت هذه المرة كلًا من إدلب والجولان، والحسكة وحمص، ودرعا وكذلك دير الزور والرقة، وريف حلب الشمالي والساحل السوري، بالإضافة الى محافظة السويداء بكل تجمعاتها ونشطائها. حيث وقع على الوثيقة الجديدة التي أُعلن عنها منذ فترة قريبة، والتي أطلق عليها تسمية ” تضامنية العمل والاجتماع السوري”. ما ينوف عن ٢١ هيئة وتشكيل سياسي وحراك، وهي ما انفكت مفتوحة للتوقيع والانضمام إليها، مع كل أطياف السوريين، وصولًا إلى ما هو طموح فعلي للنشطاء السوريين، بحيث تشمل كل الساحات السورية بلا استثناء، ضمن كل مكوناتها ونشطائها وكل أثنياتها وطوائفها.
واستنادًا إلى مجمل الحوارات واللقاءات التي عُقدت في سياق مبادئ “وثيقة المناطق الثلاث”، والاتفاق الناتج من اجتماع القوى التي انضمت إلى مسار الوثيقة السياسي والمنهجي التأسيسي الذي انعقد بتاريخ 30 حزيران/ يونيو 2024”. فقد تمحورت الوثيقة الجديدة المشار إليها حول عدة نقاط رئيسية نذكر منها:
” أولًا: هذه التضامنية سورية محضة، لم تشارك أي جهة غير سورية في إنشائها، لا على مستوى الفكرة، ولا على مستوى التنفيذ، ولا على مستوى الدعم، ولا على أي مستوى آخر؛ والتَضامُنيَّةُ منفتحةٌ على النقد والتطوير والمُساءلة. وهذه التَضامُنيَّة ليست تنظيمًا سياسيًا، وليست كيانًا أيديولوجيًا، أو مشروعًا حزبيًا، أو فكرةً عقائدية. إنها حالةٌ عمومية، ومساحةُ تنسيقٍ، وشبكةُ تضامنٍ وطني تُهيئ لتلاقي المختلفين”
” ثانيًا: القضية السورية قضيةٌ وطنيةٌ فحسب، مركزُها صَون الإنسان السوري، والحفاظُ على حياتِه، وتطويرُ الظروف الملائمة لرفاهه سياسيًا واقتصاديًا وحقوقيًا وثقافيًا، ويعني ذلك بالضرورة الخلاصَ من النظام الحاكم، وإنهاء حقبة حكم الأسد”.
” ثالثًا: إن حاجةَ السوريين إلى ملكية قرارهم السياسي الوطني حاجةٌ ضروريةٌ ولازمة لبناء مشروع السوريين التحرري والتأسيسي الذي بدأ في 2011. وإن كل الذي لم يتحقق بالرهان السياسي على دول الخارج، سواء الدول الإقليمية أو العالمية، يتحقق بأيدي السوريين إذا أصبحوا قوةً سياسيةً وازنةً فحسب. والوطنية السورية يمتلكها السوريين مجتمعين”.
” رابعًا: لا يمكن، بأي حالٍ من الأحوال، وتحت أي ظرف، التسليم لأيٍ من محاولات الدول الإقليمية شَرعَنَة النظام من خلال إعادة الاعتراف به، وبناء العلاقات الدبلوماسية معه. وأيضًا، إن قوى الأمر الواقع فكرةٌ معاديةٌ لطموحات السوريين، أيًا كانت أيديولوجياتها، وأيًا كان داعميها.”.
” خامسًا: تحقيق تنسيق الفعل السياسي على امتداد الأرض السورية، وتحدي الوضع الراهن الذي صارت خريطة سورية السياسية بموجبه مناطقَ محلية شبه معزولة. وتقديم يد التعاون، والتآزر، والتضامن، للحراك الشعبي الرافض لإعادة تعويم النظام المجرم، والرافض لتقسيم سورية، ومن ثم تقسيم مشكلاتها أيضًا. ولذلك تتبنى هذه التَضامُنيَّة فكرة المساهمة في بناء مقاربة وطنية لتدبير المشكلات المحلية في مناطق سورية كافة.”.
” سادسًا: الانتقال السياسي انتقالٌ إلى الديمقراطية بالضرورة، بما تتضمن من قيمٍ أخلاقية، واحترامٍ مشترك، واعتدادٍ بالاختلاف؛ ومن ثم فإن المبدأ الديمقراطي الأولي الذي بين أيدينا في هذا الزمان هو تحقيق وحدة اتجاه الحركة السياسية، وتحقيق مبدأ “الوحدة في الكثرة” القائم على اعتراف الكُل بالكل للخلاص من ظاهرة الأسد”.
” سابعًا: تعمل التَضامُنيَّة على تنسيق المواقف بين المناطق السورية، وبناء مقاربات مشتركة للمشكلات المحلية، تمهيدًا لتحقيق تنسيقٍ وطني يؤدي إلى حالة فاعلة ومساهمة سياسيًا وأخلاقيًا في بناء مشروع سياسي وطني يستقوي بالسوريين. “
ولعل شمولية هذه الوثيقة لجغرافيا سورية أوسع، ولأطياف أخرى من الساحات السورية، وتطويرها بحيث تلامس المحددات الأساسية لانتفاضة السوريين بكليتها، يشير وبوضوح، إلى تجدد الهمم وإدراك جمعي سوري رفع رايته حراك السويداء أولًا، والذي أكد أن حراك السويداء ومن ثم حراك الشمال السوري، حيث انطلق في البدء من ساحة الكرامة في السويداء، إلى اعتصام الكرامة في إعزاز شمال حلب، لن يكون قادرًا على الإمساك بنهج العمل الوطني المشترك والعميم، بدون امتداداته العميقة، ليس داخل أتون الوعي السوري فحسب، بل لابد أيضًا من امتداده جغرافيًا، بحيث تتسع المساحة، وتتعدد المشاركات، ليكون قادرًا على رص الصفوف وتحريك المياه الراكدة، والخروج واقعًا من حالة الاستنقاع، نحو عمل سوري وطني ديمقراطي مشترك، يستند إلى وعي مطابق، يتمكن من الخروج جديًا من عنق الزجاجة، وبالتالي يتمكن من إعادة تأسيس حقيقية، للعمل الوطني السوري، وهو مقبل على اتمام سنته الرابعة عشرة والولوج بما بعدها، ضمن آفاق رحبة للعمل الوطني الواعي لما يريد، والقادر على الدفع قدمًا بمسارات الحل الوطني السوري، دون الارتماء في متاهات الحل الخارجي، الذي خبره السوريون وأدركوا بوعيهم العاقل أن لا إمكانية لأحد أن يقلع الشوك في الوطن السوري بدون الاعتماد على اليد الوطنية السورية أولًا، والانطلاق حثيثًا من جوانية المعطى العملي والميداني المدركة لطبيعة المرحلة، والمتمكنة من الإمساك بدفة العمل الوطني السوري.
لا شك أن خطوة وثيقة ” تضامنية العمل الوطني” كانت بمثابة الدفع الحقيقي والجدي باتجاه ما هو صحيح وأرحب، وهي خطوة حقيقية لابد لها من المتابعة، وإن تسنى لها هذا الأمر، فإن كل محاولات النظام السوري الاستبدادي، لن تستطيع إفشال حراك السويداء، أو الالتفاف عليه، مهما حاول أمنيًا وعسكريًا، ومهما عمل على تطويق حالة الانتفاض السوري بكليته، من حيث أن العمل الوطني من الضروري أن يستند إلى التكاتف ورص للصفوف، والانطلاق نحو بناء أدوات جديدة ومتطورة للعمل الشعبي السلمي، بلا منغصات أمنية، أو أعمال عسكرية، قد لا تكون في المجال والطريق الصح.
ورب سائل يسأل: هل يمكن لآليات الحراك الوطني السوري وتقدمه بخطوات تلو خطوات، ضمن آليات الوعي السوري المتاح أن تنتج حالة متجددة من احتمالات محاصرة النظام وصولًا إلى كنس آليات الاستبداد؟
والإجابة تقول: إن هذه الوثيقة وما يمكن أن تجيب عليه، وضمن آليات التغيير المستمر في أدوات العمل الوطني السوري، قد وضعت نفسها والسوريين معها على بداية الطريق، ولربما تكون حالة المراكمة المستمرة، بداية لإعادة إنتاج حراك وطني شامل، كبير وسلمي، يقبع كل آليات ونهج الاستبداد، ويفتت دولة الاستبداد، ويعيد الوطن إلى حالة إنتاج الدولة الوطنية السورية، دولة المواطنة وسيادة الدستور والقانون، ومنع ولجم الاستبداد وأدواته الفاسدة والمفسدة، ووقف بيع السيادة الوطنية برمتها، التي أنهكت المواطن السوري، وحالت وتحول دون قيام الدولة الوطنية السورية.