في ذكرى الثورة السورية مازال الأمل باقٍ
تمر أواسط شهر آذار/ مارس ذكرى عزيزة على قلوب السوريين، يوم انطلقت حناجر الشعب السوري تنادي بالحرية والكرامة، لتعيد بناء الوطن السوري على أسس جديدة ورؤى وطنية متجددة، لاوجود فيها للعسف والقمع وكم الأفواه، كانت الثورة من أجل وطن سوري يجمع ولا يفرق، يبني ولا يهدم، يعيد إنتاج الحالة الوطنية السورية ضمن سياقات حداثوية خالية من السجون والمعتقلات، مفعمة بالحرية وسيادة القانون، وتشييد دولة المواطنة، دولة الجميع، عبر الاشتغال على عقد وطني سوري جامع لا يستثني أحدًا، بل يلف كل متعددات الطيف الوطني السوري، بكل تلاوينه، من منطلق أن الجميع لابد من اعتبارهم أجزاء متماسكة، متآزرين، وعلى كاهلهم تقع جميعًا المسؤولية، في إقامة الوطن السوري، بلا آل الأسد، وبدون الدولة الأمنية التي أودت بوطننا إلى حافة الهاوية، إن لم يكن للهاوية نفسها.
عندما تحركت جحافل السوريين معلنة بدء العصر الجديد الحر الكريم، لم يكن في مخيالها مدى فداحة المصاب، وحجم الدمار والقتل الذي يمكن أن يلاقيها به نظام الفاشيست الأسدي، ولا حجم التكتل الإقليمي والعالمي، الذي سيجتمع دعمًا لنظام الأسد، الذي كاد أن ينهار مع بداية سنوات الثورة الأولى. لكن ما فعله نظام بشار الأسد من عنف ومقتلة واستخدام السلاح الكيماوي والصواريخ البالستية التي قابل بها السوريين المنتفضين لكرامتهم في كل أصقاع الجغرافيا السورية، أكد لمن لم يكن قد أدرك بعد أن الخارج لا يهمه انتصار الشعوب ولا إقامة دولة الديمقراطية وسيادة القانون، فهو مرتاح لأنظمة الدكتاتورية والاستبداد، وهي التي كانت مطواعة بين يديه بدورها الوظيفي وإمكانياتها الأمنية والعسكرية، ضمن حالة تخادم واضحة مع المشاريع البارزة في المنطقة، ومنها بالضرورة المشروع الصهيوني، وكذلك المشروع الإيراني الفارسي، الذي يستهدف المنطقة برمتها، والأهم من ذلك هو واقع التخادم مع المشروع الأميركي و(فوضاه الخلاقة)، التي تريد الحفاظ أولًا على أمن إسرائيل، وكذلك الأمن القومي الأميركي في المنطقة، دون الأخذ بنظر الاعتبار كل آلام المدنيين السوريين، أو ما ماثلهم من ثورات ضمن حالة الربيع العربي.
واليوم وبعد ثلاثة عشر عامًا خلت من عمر الثورة السورية، هل مازال الأمل باق؟ وهل يمكن اعتبار أن الثورة مستمرة؟ والجواب على ذلك ليس سهلًا على الإطلاق لأنه يطرح الكثير من المحددات والمعطيات، التي تنبش العديد من المنغصات والآلام المبرحة، حيث ماتزال قوى المعارضة السورية بجميع أطيافها تَعثر في الأُكم وفي الوهد، غير قادرة على إنجاز المطلوب منها، وما برحت تراهن ليس على قدرات السوريين، بل على من وضعت كل البيض في سلته، وهي ما انفكت تعيد إنتاج نفسها من جديد، ضمن نفس الأسس، وعين الصياغات، وهي لم تدرك بعد، أو هي لا تريد إدراكه، من أن مياهًا كثيرة قد جرت تحت الجسر، وأنه لابد من التعاطي مع المتغيرات بعقل سياسي واع، عبر وعي مطابق للواقع، ودفع للقدرات الوطنية باتجاه الحركة والفعل، بعيدًا عن سياسة المحاصصات والمصالح الأنوية، أو الأيديولوجية، بينما الوطن السوري يترنح جراء الضربات المتعددة التي يتلقاها يومًا إثر يوم، وسنة بعد أخرى.
بينما يحتفل الشعب السوري بذكرى ثورته، ويصر على المضي ضمن مسارات الثورة السورية التي ضحى من أجلها بالكثير، حيث تجاوز عديد شهدائه المليون، ومعتقليه ال ٩٠٠ ألف منذ بدايات الثورة وحتى الآن، وعدد معوقي الحرب مليون ومئتي ألف، ثم دمار البنية التحتية بما يزيد عن نسبة ٦٥ بالمئة منها، وتهجير أكثر من ١٤ مليون سوري بين نازح إلى الشمال، ومهجر قسري إلى كل بقع الدنيا.
ضمن هذه المآلات، ورغم كل أمراض المعارضة السورية مازال السوريون يصرون على ثورتهم ويعملون يوميًا من أجل حريتهم المفقودة، وسط أجواء عامة من التخلي والخذلان، ليس آخرها حالة الهرولة إلى دمشق، وإقامة العلاقات مع نظام الكبتاغون والقتل الأسدي، أو المحاولات الإقليمية الأخرى لتطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد الغارق في الدم السوري، والذي يستغل الفرص بالتحالف مع داعميه الإيرانيين والروس، من أجل محاولة قضم الأراضي في الشمال السوري، خارج سيطرته، أو الاتكاء إلى اتفاقات الإيرانيين مع المملكة العربية السعودية، ليكون لها المكان ضمن ذلك وعلى أساسه.
مع ذلك تبقى الثورة ملاذًا وأملًا لا يمكن التراجع عنه، وتبقى ثورة الحرية والكرامة انطلاقة مهمة في تاريخ سورية الحديث، لابد من البناء عليه، والبحث طويلًا وعميقًا في كيفية تخطي الأخطاء، وماهية العمل من أجل إعادة الثورة إلى مسارها الحرياتي الذي بدأته.