قراءة في كتاب: العرب وثقافة حقوق الإنسان في عالم متغيّر
(الواقع والطموحات في سورية)
تناول الكاتب الدكتور عبد الله تركماني موضوع مهم جداً في سورية والعالم العربي، وهي ثقافة حقوق الإنسان كثقافة وتطبيق لاسيما انتهاكها الصارخ في سورية، وغياب المفهوم في الوعي الاجتماعي، وقد باتت حقوق الإنسان هي معيار للتقدم الدول.
فتحدث الكاتب عن العرب وثقافة حقوق الإنسان لاسيما كتابات مفكري عصر النهضة الكواكبي ومحمد عبده وخير الدين التونسي وغيرهم.
فالكواكبي الذي ربط بين الأسس النابعة من وجود العرب كجماعة لها لغتها وتاريخها وأخلاقياتها المشتركة، وبين المضمون السياسي التحرري الذي يجب أن تتحلى به الدولة التي ستجمعهم، أو الحقوق السياسية التي يجب أن تتوفر لهم عموماً.
وكلام الكواكبي وهو أحد أبرز المصلحين الإسلاميين أيضاً حين قال: يجب على الخاصة منّا أن يعلّم العامة التمييز بين الدين والدولة لأن هذا التمييز أصبح من أعظم مقتضيات الزمان والمكان الذي نحن فيهما.
وقواعد الكواكبي الثلاث:
1- الاستبداد يُقاوم بالحكمة والتدرج
2- قبل مقاومة الاستبداد يجب تهيئة البديل
3- الأمة التي لا يشعر أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية
وتحدث الكاتب عن الميثاق العربي لحقوق الإنسان هو ذو طابع احتفالي فقط في جامعة الدول العربية، وعن مدى تبنى الدول العربية المواثيق الدولية في قوانينها الداخلية.
والشكل الواضح لغياب حقوق الإنسان في عموم العالم العربي، كانت نتيجته هي الثورات العربية.
ثم تحدث الكاتب بإسهاب مفيد عن واقع حقوق الإنسان في سورية
والانتهاكات الكبيرة والتقارير الدولية قبل وبعد 2011م
وعن المحاولات الحقوقية التي سعت للتشكيل وتسليط الضوء على حقوق الإنسان وإغلاق النظام أي منظمة وطنية تُعنى بذلك، وعن خذلان المجتمع الدولي للشعب السوري، ونكرانه لمبادئ الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وتنصله من واجباته في حماية المدنيين السوريين من الموت والدمار في البراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي المحرّم دولياً، إضافة إلى معاناة اللاجئين، جعلهم يدركون أن حقوق الإنسان السوري أضحت موضوعاً في السياسات الإقليمية والدولية، وتحول إلى صراع أطراف دولية على الأراضي السورية.
والحديث عن المنظمات الحقوقية الدولية وتقرير هيومن رايتس ووتش عن انتهاكات حقوق الإنسان في سورية الذي أصدرته بعنوان ((لا مجال للتنفس))
وتقارير منظمة العفو الدولية والتي تحدثت عن صور التعذيب للسجناء السياسيين والرأي والمحاكم الميدانية والأحكام العرفية وقانون الطوارئ وعن 38 نوع تعذيب على الأقل في السجون الأمنية.
والتقارير الصارخة التي تتحدث عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وعن 222 مرة استخدم النظام السلاح الكيماوي وأولها في الغوطة حيث قُتل 1144 شخص، وعن أكثر من 82 ألف برميل متفجر استخدم في سورية منذ 2012 لا تزيد تكلفة البرميل عن 100 دولار للبرميل الواحد
فلم تحظَ مبادئ حقوق الإنسان في سورية بأي اهتمام على الاطلاق ففلسفة النظام تجاه حقوق الإنسان تأسست على أحادية السلطة واختزال مؤسسات الحكم بشخص رأس النظام.
ثم الحديث عن المشكلة الكردية، وتكمن مشكلة الكرد في أنهم يقيسون حياتهم ومستقبلهم في سورية من خلال معيار وحيد، وهو تجربتهم السيئة مع نظام البعث وحكم الطغمة الأسدية خلال نصف القرن المنصرم، معتبرين تلك الفترة تعبر عن تاريخ سورية ومستقبلها.
والحديث عن وحدة القوى العربية والكردية ضرورة لنيل حقوقهم كاملة من الاستبداد وضرورة بلورة عقد وطني جديد، وهذا يستدعي أن يتناول الحل السياسي القادم المسائل الأساسية كافة، التي تهم جميع المكونات السورية، مع توفير الضمانات لإنجاحه وتثبيت نتائجه وحماية هذه النتائج.
وأن التوزع الجغرافي للمكونات السورية وعدم توفر وحدة الأرض لأي منها لا تسمح بموضوع الأقاليم، وإنما مشروع اللامركزية الإدارية الجغرافية سيكون مساهم بوقف النزيف السوري، وبناء مستقبل سورية الغد.
وقد ولّد المفهوم الأوربي مصطلح أقلية وجرى وضعها في قلب الألاعيب والمراهنات الدولية والإقليمية، فهي ليست مسألة أقليات، بل هي ألاعيب جيوبوليتيكية جارية منذ تعميم نموذج الدولة الأمة في القرن التاسع عشر، تقوّض الأسس التاريخية لمجتمعات ذات هوية مركّبة، فتم تمزيق المجتمعات المشرقية تحت حجة حماية الأقليات القومية والدينية.
وتحدث الكاتب عن العدالة الانتقالية وآلياتها ومنها: آليات قضائية لملاحقة مرتكبي الجرائم الخطرة ومحاكمتهم، وآليات غير قضائية داعمة للآليات القضائية ومكملة لها، كلجان تقصي الحقائق وجبر الضرر وتعويض الضحايا، وإصلاح المؤسسات، وإحياء ذكرى الضحايا وغيرها
من إرساء الثقة وتبييض السجون من معتقلي الرأي، وإصلاح الأجهزة الأمنية وتغيير وظيفتها من أمن النظام إلى أمن الشعب.
والحديث عن أمثلة من التجارب الإفريقية تجربة راواندا حيث شكّلت لجان للتحقيق في الانتهاكات وإعادة الاعتبار للضحايا وتقديم تعويضات مالية إليهم، وإصلاح سياسي وأمني وتشريعي لتجاوز الانتهاكات في المستقبل وإعادة الاعتبار إلى الضحايا وغيرها من الإجراءات.
وتحدث الكاتب عن هيئة المصالحة والإنصاف في المغرب التي أنشئت في 2003م، والتي سعت إلى رد الاعتبار إلى ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وطي صفحات مؤلمة من تاريخ المغرب وتوفير شروط لتحول ديمقراطي.
كما يحوي الكتاب الكثير من الفوائد التي تعين المناضلين من أجل الديمقراطية والحرية في الواقع السوري الذي يعيش أعقد صراع في الشرق الأوسط ولعلّ الخلاص يكون قريباً لبناء سورية جديدة على قواعد وطنية قائمة على العدل والمساواة والديمقراطية وإنصاف المظلومين ورد الاعتبار لهم، لتبدأ سورية جديدة وحياة جديدة للسوريين.
زكريا ملاحفجي