بقلم أوهانيس شهريان
لقد استطاع الإعلام السوري أن يترك بصمته منذ زمن بعيد، بفضل مكانة البلاد في احتضان أركان الصحافة، مثل المطبعة والأقلام النيرة. هذه الحقيقة لم تتغير مع انطلاق الإعلام السوري، رغم التغيرات التي شهدتها الظروف والأحداث.
تعتبر الثورة السورية مرحلة مفصلية في تاريخ الإعلام السوري، حيث تحول من ماكينة منتظمة إلى نشاط ممنهج وأداة لإصدار الأحكام وتصنيف السوريين بشكل علني وصريح. في ضوء هذا الواقع الجديد، يمكن تقسيم العمل الإعلامي السوري إلى قسمين رئيسيين:
1- إعلام الثورة:
حظيت الثورة السورية بتضامن واسع النطاق منذ انطلاقتها في عام 2011، بما في ذلك التضامن الإعلامي العربي والعالمي. ما منح الثورة هذا النوع من الدعم هو انطلاقها من مصادر شعبية وأهلية، مما يتناقض مع رواية النظام الذي اكتفى بتسويق براءته وسرد حكايته.
كان انضمام الكوادر الإعلامية الأكاديمية وذوي الخبرة للثورة نقطة تحول كبيرة ساهمت بشكل كبير في إيصال صوت الشعب الثائر إلى المنابر المهمة عربياً وإقليمياً. بالإضافة إلى ذلك، تم تشكيل لوبي إعلامي متعدد اللغات، دوره ترجمة الأحداث للرأي العام العالمي.
على الرغم من الدور الكبير الذي لعبته الكوادر الإعلامية السورية، إلا أنها ظلت تعتمد على مصادرها الأهلية في تغطية الأحداث. ومع زيادة الطلب على المعلومات والمحتوى، تم تعزيز مفهوم “صحافة المواطن” أو “الصحافة التشاركية”، وهي آلية تسمح للمواطن بالمشاركة في صناعة ونشر المعلومات. وقد أسهم ذلك في ظهور نشطاء جدد من الشباب الطموحين الذين أصبحوا مصادر للوسائل الإعلامية من خلال صحافة المواطن.
ساهم النشطاء في نقل المعلومات بفضل التطورات التكنولوجية التي مكنت من إخراج الرسالة بشكل احترافي وموثوق على مدار أكثر من عقد. ورغم ارتباط عدد من النشطاء بالوسائل الإعلامية المحلية والعربية، إلا أن دور صناع المحتوى لم يقل أهمية في إيصال المشاهد للواقع المعاش في مناطقهم، مما أتاح لإعلام الثورة التغلب على ماكينة إعلام النظام.
2- إعلام النظام:
اعتمد النظام خلال الثورة على فرض رقابة شديدة ليس فقط على الإعلام، بل على المعلومات بشكل عام، حيث كانت تمر المعلومات عبر دهاليز طويلة ومصفاة قبل وصولها للجمهور. كما اعتمد النظام على نظام إعلام الطرف الواحد، متجاهلاً الطرف الآخر.
أفقدت هذه السياسات النظام مصداقيته وثقة الجمهور في المعلومات المنقولة عبره. بالإضافة إلى ذلك، كانت بيئة العمل الإعلامي تعاني من الفساد والمحسوبيات، مما أدى إلى تراجع مصداقية وسائل الإعلام الحكومية.
ومع بداية مرحلة خفض التصعيد في ريفي إدلب وحلب، اتبع النظام سياسة مشابهة لوسائل الإعلام الثورية، حيث اعتمد على النشطاء وصناع المحتوى المستقلين لتعزيز حضوره الإعلامي. ورغم محاربته لعدد من شبكات الأخبار سابقاً، بدأ النظام في دعم هؤلاء النشطاء بالتجهيزات والتسهيلات، بهدف إظهار “وجه جميل” دون التطرق للفساد والانتهاكات.
الانتقال إلى مرحلة إعلام الدولة:
يطرح الإعلاميون سؤالاً مهماً قبل البدء في إنتاج أي محتوى إعلامي: من هو الجمهور المستهدف؟ لقد تغير الجمهور المتابع للإعلام السوري بعد سقوط النظام، مما استدعى تغيير لغة المخاطبة والواقع الإعلامي بشكل عام.
رغم الحاجة الملحة لتغيير الواقع الإعلامي، فإن الانتقال من مرحلة نشر المحتوى والاعتماد على المواطنين كمصادر للمعلومات إلى مرحلة أكثر تنظيمًا يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين. يعاني المتلقون اليوم من صعوبة في الحصول على المعلومات والتحقق من دقتها، في ظل غياب الإعلام الرسمي الذي يعد العمود الأساسي للانتقال إلى مرحلة إعلام الدولة.
لذا، يتطلب الأمر بناء أسس قوية من الموارد البشرية والتجهيزات وتدريب الكفاءات لتحويل تجربة صحافة المواطن إلى إعلام منتظم يتوجه لجمهور أكثر شمولية ويعيد ثقة الناس بالإعلام الوطني كمصدر أساسي للمعلومات، مما يقيهم من التخبط والانجرار وراء المعلومات المغلوطة.
