أ. جميل بركات
اقتصادي وصناعي في مدينة حلب
بعد انتصار الثورة السورية، ستواجه سوريا مرحلة جديدة مليئة بالتحديات على مختلف الأصعدة، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي. فالوصول للتعافي الاقتصادي بعد الحرب الطويلة التي تسببت الحرب في دمار هائل للبنية التحتية، وانهيار اقتصادي حاد، ونزوح كبير للسكان. في هذا السياق، يصبح إعادة بناء الاقتصاد السوري من أولويات المرحلة القادمة. لكن، الطريق لن يكون سهلاً؛ إذ توجد عدة تحديات كبرى قد تعيق التعافي الاقتصادي.
- إعادة الإعمار والبنية التحتية
واحدة من أبرز التحديات التي ستواجه سوريا بعد الثورة هي إعادة الإعمار. الحرب دمرت مدناً بأكملها، وشملت الأضرار المنازل والمستشفيات والمدارس والطرق والمصانع. وفقًا لتقديرات دولية، قد تصل تكلفة إعادة الإعمار إلى مئات المليارات من الدولارات. توفير هذه الموارد المالية الضخمة سيمثل تحديًا كبيرًا، لا سيما مع ضعف الاقتصاد المحلي وانعدام الثقة الدولية في قدرة البلاد على جذب الاستثمارات.
الحل هنا يكمن في بناء شراكات استراتيجية مع دول ومنظمات دولية لتمويل عمليات إعادة الإعمار. كما أن تشجيع عودة الكفاءات السورية المهاجرة واستثمار مهاراتها سيكون ضروريًا لإعادة بناء المؤسسات وتحقيق النمو المستدام.
- البطالة والفقر
نتيجة للحرب، ارتفعت معدلات البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة. العديد من السوريين فقدوا وظائفهم بسبب انهيار الشركات أو النزوح من مناطقهم الأصلية. كما أن الحرب أدت إلى تآكل الطبقة الوسطى، مما زاد من الفجوة الاجتماعية.
ووصلت نسبة الفقر إلى ٩٤ % ولتجاوز هذه المشكلة، يجب على الحكومة الجديدة تبني سياسات اقتصادية تُركز على خلق فرص عمل مستدامة، مثل دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة. كما ينبغي وضع برامج لدعم الأسر المتضررة وتخفيف أعباء المعيشة عن المواطنين الأكثر احتياجًا.
- تدهور العملة والتضخم
تعاني العملة السورية من انهيار حاد في قيمتها نتيجة للعقوبات الاقتصادية وسوء الإدارة الاقتصادية خلال الحرب. هذا التضخم الهائل أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية، مما زاد من معاناة الشعب السوري.
لإصلاح هذا الوضع، يجب على الحكومة الجديدة استعادة الثقة في العملة المحلية من خلال سياسات نقدية ومالية فعّالة. كما يجب فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية، وإعادة هيكلة البنوك لتعزيز النظام المالي.
- النزوح واللاجئون
نزح الملايين من السوريين داخليًا وخارجيًا، وأصبح هؤلاء اللاجئون يشكلون تحديًا اقتصاديًا كبيرًا، سواء داخل البلاد أو للدول المستضيفة. عودة هؤلاء اللاجئين إلى بلادهم تتطلب توفير فرص عمل، مساكن، وخدمات أساسية مثل التعليم والصحة.
إنشاء برامج لدعم عودة اللاجئين بشكل تدريجي سيكون حلاً مناسبًا. بالإضافة إلى ذلك، يجب إشراك اللاجئين العائدين في عملية إعادة الإعمار لتسريع تعافي البلاد.
- الفساد وسوء الإدارة
الفساد كان أحد الأسباب الرئيسية لتفاقم الأزمة السورية قبل الحرب وأثناءها. بعد الثورة، سيكون القضاء على الفساد وإرساء الشفافية في مؤسسات الدولة من أهم التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة.
إصلاح النظام القضائي ومحاسبة المسؤولين عن الفساد، إلى جانب تعزيز الحوكمة الرشيدة، سيشكلان قاعدة أساسية لإعادة بناء الاقتصاد. كما ينبغي تشجيع المجتمع المدني على مراقبة أداء الحكومة لضمان تنفيذ الإصلاحات بشكل عادل وفعّال.
- الاستقلال الاقتصادي والعقوبات الدولية
سوريا تعرضت لعقوبات اقتصادية خانقة خلال الحرب، مما أضعف قدراتها الإنتاجية والتجارية. بعد الثورة، سيكون رفع هذه العقوبات واستعادة العلاقات التجارية مع الدول الأخرى تحديًا كبيرًا.
لتحقيق ذلك، يجب على الحكومة الجديدة اتباع سياسات متوازنة على الصعيدين الداخلي والخارجي، مع التركيز على بناء اقتصاد مستقل قائم على الإنتاج والتصدير بدلاً من الاعتماد على المساعدات الخارجية.
- استعادة الموارد الطبيعية
سوريا غنية بالموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز، لكن العديد من هذه الموارد أصبحت خارج سيطرة الحكومة أثناء الحرب. استعادة السيطرة على هذه الموارد وإدارتها بكفاءة سيكون عاملًا أساسيًا لتعزيز الاقتصاد.
يتطلب ذلك وضع سياسات واضحة لاستثمار الموارد الطبيعية بشكل مستدام، وتطوير صناعات مرتبطة بها، مثل تكرير النفط وإنتاج الكهرباء.
الخاتمة
إن التحديات الاقتصادية التي تنتظر سوريا بعد انتصار الثورة ضخمة ومتعددة الأبعاد. لكن بالإرادة السياسية، والتعاون مع المجتمع الدولي، والمجتمع المحلي وتوظيف الكفاءات السورية، يمكن التغلب على هذه الصعوبات. بناء اقتصاد قوي ومستدام يتطلب إصلاحات عميقة في كل القطاعات، مع التركيز على العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة. بهذا الشكل، يمكن لسوريا أن تنطلق نحو مستقبل أفضل بعد سنوات طويلة من المعاناة.
وتاريخ سورية والشعب السوري وإصراره ونشاطه بالسعي والعمل وإثبات ذاته في الخارج بالنجاح والتميز سيعطينا أمل كبير بتعافي سورية سريعاً
أ. جميل بركات
اقتصادي وصناعي في مدينة حلب