الكاتب/ وسام باكير

طفلٌ سوريٌ واحدٌ يولد كل ساعةٍ في مخيمات اللاجئين تقول الأمم المتحدة

خبر يستجلب معه عادةً صيحات عنصرية بتنا كسوريين متآلفين معها أياً تكن

 جغرافيّة تلك الأصوات ولغتها.

وما بين أصوات الاسـتهجان لـهذا الأمر ومبرراته من حـيث انعدام أدنى شـروط

الأمان والاحتياجات الأساسية للعيش، وبين مبررات هذا الواقع وكونه في المقام

الأول حاجة وجودية للاستمرارية والبقاء، تبرز حتمية تاريخية علمية تدعو للتريث قليلاً قبل إلقاء الحكم على أيٍّ من جانبيْ الجدال.

في خواتيم الحرب العالمية الثانية ضربت القوات النازية حصارًا خانقًا على هولندا. حصاراً امتد عاماً كاملاً واستهلك مقدرات المحاصَرين تماماً، وما زاد من مأساتهم

وقتذاك، أن الشتاء كان الأقسى على المنطقة منذ عقود، لقد عاشوا شبح المجاعة بكل أبعاد الكلمة.

بعد سنةٍ من الحصار تم تحرير هولندا من النازيين بواسطة الحلفاء، حصار خلّف وراءه آلاف الضحايا الذين قضوا. لكن أيضاً ضحايا قلما تجد من يتناول مأساتهم:

الأجنة الذي ولدوا في ذلك الحصار.

أربعون ألف جنين ولدوا في قلب تلك المجاعة، وبعد سنوات من الحادثة تمت

دراسة هؤلاء الأجنة الذين باتوا بالغين، كانت أمراض السكريّ والسمنة المفرطة وتوقف القلب مظاهر شائعة بين هؤلاء.

وفي الواقع لا تبدو هذه الأمراض غريبةً، فالجنين الذي كان في رحم أمه وقت

الحصار، ولم يكن يصله من السعرات الحرارية ما يقيم أوده، فهم بطريقة لم

 نكتشفها بعد أن البيئة التي هو قادمٌ إليها تتسم بندرة الموارد، حتى الأساسية منها فتعلم كيف يحتفظ بكل سعرة حرارية ويوزعها للأعضاء الأكثر حيوية في جسده.

لكنه حين خرج للحياة والحصار منتهِ ووجد بيئة طبيعية، والطعام والشراب

 متوافرين بسهولة، أقبل عليها بدافعٍ غريزيّ وبنهم شديد، ما تسبب له بتلك

الأمراض المذكورة.

لقد وصلته رسائل خاطئة أو ظرفية وهو في رحم أمه، أثّرت على قادم حياته بأثرٍ

امتد طوال سنين عمره.

هذه الرسائل لا تقتصر على نوعية البيئة التي سنولد فيها فقط، بل يمتد أثرها

ليشمل بُعداً نفسياً عميقاً، ولفهم هذا الأمر فيجيب أن نعود لأحداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك، حيث تعرضت بعض الحوامل لصدمة مشهد اصطدام

 الطائرات بالبرجين وفي موقع الحدث صدمة عميقة تم إرسالها للأجنة في أرحامهن ما جعل هؤلاء حين ولدوا وكبروا عرضةً لأمراض نفسية تماماً كالتي طالت أمهاتهم بعد تلك الأحداث، كاضطراب ما بعد الصدمة والكآبة، بل وحتى الاكتئاب السريري

وكانوا أكثر تعرّضاً لأي انتكاسة نفسية من أقرانهم الذين لم تمر أمهاتهم بهكذا

تجربة.

ليس مفهومٌ تماماً كيف تصل تلك الرسائل كما قلنا، ولكن المؤكد وبشدة أن بيئات

 الخطر وانعدام الأمان والضغط النفسي المزمن للحوامل، لن تمر مرور الكرام على من يحملن في بطونهن ويبدو أن مصير تلك الكائنات الطرية التي لم تولد بعد ليس مرتبطاً بما سيعايشونه حينما يأتون الحياة فقط، بل يتحدد بصورةٍ ما هناك.. عند البداية تماماً.

إذاً وفي ظل هذا السرد، هل من الممكن أن نتوقعَ مستقبل أولئك الذين وُلدوا

 لأمهات الحصار والقصف وليالي رعب التي عايشنها زماناً ليس بالقليل؟!

نخشى جواباً يا للأسف.!!!

وسام باكير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *